أحدث المواضيع

الشباب.. عماد التقدم


أ . د . شوقي علام 
مفتي الديار المصريه 
لا شك أن قوة المجتمعات تقاس بشبابها، ذلك لأنهم دلالة عافيتها، وعنوان قدرتها على الضرب في طريق الحياة بجد ومثابرة، وكلما ارتفعت نسبة الشباب في المجتمع كلما كان أقرب إلى التصدر والتأهل والريادة.
وقد اهتم الإسلام بالشباب اهتمامًا كبيرًا، من حيث هم مادة الدعوة وأملها، ولذلك حتى في تكليف الله بالنبوة للبشر والتي هي أعلى مراتب التواصل مع الله جل وعلا، يقول عنها ابن عباس رضي الله عنهما فيما يرويه ابن أبي حاتم: "ما بعث الله نبيًّا إلا شابًّا، ولا أوتى العلم عالم إلا وهو شاب.." ولذلك ترى القرآن يؤكد على هذا المعنى في ثنايا حديثه عن الأنبياء والرسل..
فيتحدث عن إبراهيم عليه السلام قائلاً حكاية عن قومه: "قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم" قال ابن كثير: أي شابًّا..ويذكر سبحانه وتعالى قصة يوسف عليه السلام بتفاصيلها، وهو أعلى قدوة للشاب في العفة والطهر، وإيثار مرضاة الله، وإن ناله ما ناله في الدنيا من تعب وعناء..
وكذلك يذكر سبحانه قصة الفتية من أهل الكهف: "إنهم لفتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى"، وذلك في إشارة واضحة إلى أن الشباب أنقى الناس عقيدة وأخلصهم سريرة وأشدهم حرصًا على صلاح المجتمعات إن صلحت سرائرهم..
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: فذكر الله تعالى أنهم فتية، وهم الشباب، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا، وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شبابًا، وأما الشيوخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل.
وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الشباب أيما حرص، وحاول جاهدًا أن يسدي لهم التوجيه والنصح ويظهر مكانتهم في حمل الدعوة، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم متفاخرًا بهم " إن الله قد بعثني بالحنيفية السمحة فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ...".
والناظر في حال الدعوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد مصداق ذلك، فبمراجعة سير الصحابة رضوان الله عليهم في كتب السير تجد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والثلاثين، وعمر رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والعشرين، وعثمان رضي الله عنه لم يتجاوز الرابعة والثلاثين، وعلي رضي الله عنه لم يكن تجاوز العاشرة، وكذلك بقية العشرة رضي الله عنه: طلحة بن عبيد الله لم يتجاوز الرابعة عشرة، والزبير بن العوام لم يتجاوز السادسة عشرة، وسعد بن أبي وقاص لم يتجاوز السابعة عشرة، وسعيد بن زيد لم يتجاوز الخامسة عشرة، وأبو عبيدة لم يتجاوز سبعًا وعشرين، وعبد الرحمن بن عوف لم يتجاوز الثلاثين.. وهكذا جل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين حملوا هم الدعوة واستطاعوا في زمن يسير أن يجعلوها دعوة عالمية قادرة على أن يرفرف علمها على مشارق الأرض ومغاربها..
من أجل هذا فإن المتتبع لهديه صلوات ربي وسلامه عليه يلمس حرصًا شديدًا على الشباب، وكأنه توجيه للأمة على مستوى قياداتها في الاهتمام الشديد بهذا العنصر الحيوي داخل جسدها، وكأنه يؤكد على ضرورة الاهتمام المعنوي بالتوجيه والتربية والتعهد بذلك حتى يبقى المجتمع دائمًا فتيًّا قادرًا على مواجهة صعاب الحياة.
فها هو صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. ومنهم: "وشاب نشأ في طاعة الله" وكأنه يؤكد ضرورة حرص المجتمع أن يكون الشباب بهذه الصورة، ينشأون في طاعة الله، فتعظم المعاصي في عيونهم، فيصيرون عبادًا ربانيين، فتصح العقائد، وتقوى الأبدان، وتبدع العقول، فيعلوا نجم المجتمع بعلو شبابه..
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شباب لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء". وتلك آفة الشباب المدمرة.. إنها شهوة الجنس التي يطلق لها البعض العنان فتنهار القوى وتخور الأجساد وتظلم العقول، وتدفع الشاب إلى طريق الهلاك، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يضع لها العلاج، فمن استطاع الباءة وهي القدرة المادية والبدنية فليتزوج، ومن لم يستطع فلا يطلق لنفسه الحبل على الغارب، وإنما يجب عليه أن يستعين بالصوم، فهو الوجاء، أي العاصم والحامي من الوقوع في حمأة الرزيلة.
وهنا أؤكد أن على المجتمع واجب تجاه هذه القضية، فعلى مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، على الدعاة والعلماء، على كل مفردات المجتمع واجب محاولة الأخذ بيد الشباب من السقوط في هذا الدرك.. كل حسب قدرته، وكل حسب دوره المنوط به.
أيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على ضرورة التعهد بالتنشئة الإيمانية من البداية من حيث هي الطوق النجاة الذي يعصم الشاب من سلوك طريق المعصية، فتراه صلى الله عليه وسلم يعطي القدوة في هذا التعهد، ففيما يرويه البخاري يقول صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة: " يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك"، وفيما يرويه الغمام أحمد يقول صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: يا غلام إني أعلمك كلمات: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك..".
إن بعض المواقف من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في تعاملاته مع الشباب لكفيلة دون تعليق منا على بيان شدة حرصه صلوات ربي وسلامه عليه على هذه الفئة، وكذلك بيان منهجه العملي الرفيق الذي يراعي الطبيعة العمرية لهذه الفئة وكيفية التعامل معها، وهو بكل ذلك يعطي توجيهًا للأمة كيف تتعامل مع هؤلاء..
فعند البخاري عن مالك بن الحويثر قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا بأخبرناه، وكان رقيقًا رحيماً فقال: "ارجعوا إلى أهليكم، ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم".. انظر هنا فقط لهذه الرحمة وهذا الشعور بطبيعة الشباب الذين قضوا فترة دون أهل وأزواج وهو يدرك حاجتهم ويرفق بهم، وانظر كذلك كيف يعلمهم صلى الله عليه وسلم برفق ويسر دون تعقيد ودون تفاصيل لا تسمن ولا تغني من جوع..
وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه يشاوره النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك، ويسلمه قيادة الجيش الذاهب إلى الروم. وهذا عبد الله بن الزبير، يقود الغلمان لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مصعب بن عمير، يرسله داعية إلى أهل المدينة وسفيرًا له وهو شاب يعطيه ثقته ويوليه مكانة رفيعة تأكيدًا لدور الشباب ووجوب تصديرهم.
ألا ما أعظم حاجتنا إلى مطالعة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في كل شيء، ألا ما أحوجنا إلى فهم شبابنا واحتوائهم كما احتواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نخرج منهم تلك النماذج التي أخرجها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. مصعب وأسامة وابن الزبير وغيرهم من شباب الأمة الواعد الذي يحتاج لمن يحسن تربيته ويضعه على بداية الطريق.
شكرا لك ولمرورك