اليوم نحتفي بالولادة الثانية لشاعر العرب الاكبر عبدالرزاق عبدالواحد فقد قضى في حياته الاولى 85 عاما زخرت بكنوز الابداع والقيم الوطنية ومنابع البناء الاخلاقي للانسان ، كل عظماء العالم كانت ولادة خلودهم يوم سجل التاريخ ولادتهم الثانية بعد انقضاء المجال الزمني لولادتهم الاولى لان الولادة الاولى هي ولادة اختبار بينما الولادة الثانية وهي ولادة نتيجة الاختبار . كثر هم اولئك الذين تميزوا في ولادتهم الاولى لكنهم عندما حضرت ولادتهم الثانية كانت نتيجة الامتحان الرسوب فالقاضي يجمع كل اعمال الشاعر ، كما اعمال اي عظيم اخر ، ولا يصدر حكمه الابعد ان يولد مرة ثانية والسبب معروف وهو ان نقص ادلة العظمة يبقى مادامت الولادة الاولى مستمرة وتتصارع فيها عوامل التناقض والاغراء واحتمالات الزلل بينما الولادة الثانية هي خاتمة الاعمال وغلق بوابة قاصة كنوز بني ادم وتسجيل محتوياتها كاملة وتقدير ثمنها بدقة .
لماذا اجمع العراقيون على حب واحترام ابو خالد ؟ نعم هو عبقري في شعره وكثيرون يملكون عبقرية الشعر ولكن هل احبهم الشعب مثلما احب عبدالرزاق بالاجماع الوطني العراقي ؟ كلا لان عبقرية الشعر اذا لم تقترن بعبقرية النقاء الوطني والابتعاد عن الانتهازية والتقلب والاستسلام للاحقاد فانها ليست اكثر من هبة لا فضل فيها للشاعر ولهذا فان الاهم من شعر الشاعر هو مواقفه فعبدالرزاق تميز بأنه رجل الموقف الثابت وطنيا واخلاقيا وهذا هو سر يفسر لم لم يجمع العراقيون على احترام شاعر مثلما اجمعوا على احترامه .
مصدر اخر لعبقرية عبدالرزاق فهو عربي اصيل صابئي الديانة ، لكنه ، قبل ذلك وفوق ذلك ، وطني عراقي حتى نخاع العظم فالعراق وجد قبل كل ديانة ، وقومي عربي بعدد حبات رمل فلسطين وباتساع حيز هواء الاحواز وبزخم تدفق انفاس 400 مليون عربي من موريتانيا حتى اليمن ، فقدم للعرب انموذجا حيا لرسوخ الهوية القومية العربية وتفوقها على بقية الهويات الفرعية ، وتلك من اهم مظاهر لحمة العراق العضوية المحصنة ضد كل تجزئة.
بهذا الانموذج العظيم كسب عبدالرزاق احترام وثقة المسلم والمسيحي واليزيدي والعربي والكردي والتركماني وغيرهم واعترافهم الكامل وغير المنقوص بانه رمز من الرموز الكبيرة للعراق وهويته وخلوده تحسب ضمن رموز العراق التاريخية المعروفة من جلجامش ونبوخذنصر حتى صدام ، وتلك الحقيقة اشارة لا تخطأ لعظمة العراق واصالة شعبه ووحدته التي لا تنفصم ولكونه ولادة طبيعية لا تعقر للعبقريات بكافة اشكالها .
لنتذكر ان عبقرية الشعر موهبة يمكن ان تلد في اي انسان بقرار رباني ولكن عبقرية الموقف اكتساب لا يحققه ويحافظ عليه الا امثال عبدالرزاق ، ولدينا امثلة كثيرة عن عبقرية الشعر التي انفصلت عن عبقرية الموقف الثابت فصارت تشبه عبقرية ممثل يذهل الجمهور بتقمصه شخصية ابليس وشخصية الصادق الايمان بالله بنفس الوقت لذلك فالاعجاب بعبقرية الممثل عارضة وللتسلية بينما عبقرية الموقف نظرة احترام راسخة زمنها قرون وربما الفيات وتصل حد القدوة للملايين .
الكثير من اقرانه واساتذته في الشعر غيروا بوصلة شعرهم وغنوا شعرا عظيما باوزانه لكنه انتهازي بمضامينه السياسية اما عبدالرزاق فقد بقي امينا على كلمته ووعده للعراق وشعبه وعقيدته الوطنية لم يتغير او يتذبذب ولم يسقط في احضان امير او وزير او رئيس ، غنى شعرا خالدا فقط لمن يعشق وطنيتهم وعبقرية مواقفهم الفريدة كصدام والذي احبه ليس كرئيس بل كمناضل تاريخي فريد ، وعندما انتهت ولادة صدام الاولى اشرق معدن عبدالرزاق مرة اخرى ببقاءه مع صدام في ولادته الثانية ، وكلاهما الان دخلا مرحلة خلود الولادة الثانية .
في اخر لقاء لي معه في عمان في عام 2014 وبحضور الصديق كفاح قصاب باشي وزوجة المولود ثانية عبدالرزاق ام خالد حفظها الله وزوجة الاستاذ كفاح وابنته الصغيرة قال لنا ( للتاريخ يجب ان اذكر بان اول من اطلق علي وصف شاعر العرب الاكبر هو ابو اوس قبل الغزو بسنوات طويلة )، وهذه حقيقة معروفة لانني نشرت مقالا اصف به الذي ولد ثانية اليوم بانه شاعر العرب الاكبر وبينت لم هو كذلك . كنت مديرا عاما للاعلام وكان مستشارا في وزارة الاعلام ونلتقي كثيرا واكتشفت معدنه منذ ذلك الوقت واحترمته ولكن احترامي له تضاعف بعد غزو العراق اذ وقف وقفة الليث الفتي مدافعا عن العراق ضد الاحتلال وحافظ على نقاوته الوطنية رغم شظف العيش في ظل التشرد الطويل وتحت خيمة امراض الشيخوخة ، ورفض بأباء العراقي الاصيل كل العروض التي تلقاها لاستضافته ودعمه ماليا لانه شم فيها رائحة لم يألف شمها او الاقتراب منها .
ولابد هنا من الاشارة الى صفة يتمتع بها قلة من الشعراء وهي السيطرة على المزاج الفردي والابتعاد عن النزق فكثير من الشعراء تراهم يغرقون في رمال نزق طفولي او مزاج اناني لذلك لا يبقى لهم صديق وتنقص قيمتهم وعندما يأتي امتحان الولادة الاولى تكون النتيجة الرسوب فيه اما عبالرزاق فكان متوازنا ناضجا وحكيما ولم تظهر عليه اي اعراض للمزاجية والفردية والنزق - حشاه الله - وبقي عقلانيا بقدر ماهو امير نحت الكلمة . وريث جلجامش صدام الشهيد لم يكن مخطأ حينما اكتشف معدنه الاصيل بفراسته المعرفة فاختاره رفيقا وصديقا له وهكذا فرموز التاريخ تنجذب لبعضها .
اليوم تبدأ حياة المولود ثانية عبدالرزاق ولكنها حياة ليس فيها سوى يقين الخلود ونور الارث المشرف المحفوظ في بطون لغة العرب وضمائر جماهير العرب . انت معنا ايها المولود ثانية دائما وابدا .
8-11-2015
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء