أحدث المواضيع

بعض قواعد البداهة في ترتيب اعداء الامة العربية 2 ــ صلاح المختار


 قراءة في رسالة القائد عزة ابراهيم للاعلاميين العرب
لقد قدمنا نصوصا وافكارا اساسية من تلك التي شرحها الرفيق المناضل عزة ابراهيم في رسالته لبعض الاعلاميين العرب حول طبيعة التطورات الستراتيجية التي شهدها الوطن العربي منذ وصل خميني للحكم ، وكان ابرز ما تميزت به هو  تسليطه الاضواء على حقيقة ميدانية وهي ان القضايا المركزية بالنسبة للعرب قد تعددت ولم تعد لدينا قضية مركزية واحدة فقط ، فقد كانت فلسطين هي قضيتنا المركزية الوحيدة حتى وصول خميني للحكم وبدأه تنفيذ الخطة الصهيوغربية القائمة على تقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية وعنصرية  فعرض خميني العرب الى مخاطر التشرذم والتقسيم مثل العراق وسوريا واليمن وغيرها ، فاضيفت اليها قضايا تحولت الى قضايا وجود  وهوية قومية ، بتعبير اخر قضايا حياة او موت ، ولذلك فهناك فروق ستراتيجية جذرية وخطيرة جدا بين فترة ما قبل وصول خميني للحكم وما بعدها .
ليس منطقيا في عالم يتغير التجمد عند احكام ثابتة ومطلقة لا تصلح لمرحلة جديدة مختلفة تماما عن تلك التي كانت . وبناء على هذه البديهية المتفق عليها فان عدو اليوم ربما يكون غير عدو الامس ، فهل نحن العرب ارتقينا لمستوى هذه القاعدة البديهية واكتشفنا المتغيرات الجوهرية التي وقعت ؟الجواب من المؤسف كلا  فبعضنا مازال يعيش في مناخ الخسمينيات وحتى السبعينيات ولم يعرف بعد ان العالم تغير جذريا ولعل اهم ما يرتكب من اخطاء هو خطيئة عدم اكتشاف ما حصل منذ نهاية السبعينيات في الوطن العربي والعالم وبقي مستسلما لقوة تأثير حقائق سابقة تجاوزها التغيير وهذا ما تركز عليه رسالة الرفيق عزة ابراهيم المشار اليها . فحتى السبعينيات كان التناقض الرئيس في الوطن العربي ومحيطه الاقليمي هو الصراع العربي الصهيوني ، وكان الفصل الاخير في تلك المرحلة التي ابتدأت بغزو فلسطين في عام 1948 هو اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني والتي اشعلت صراعات خطيرة بين الانظمة العربية الرافضة لها ونظام السادت في مصر .
وبينما كان العرب يتصارعون فيما بينهم حول موضوع الاعتراف بالكيان الصهيوني وقع انقلاب ستراتيجي هو الاخطر في التاريخ الحديث للعالم وهو صعود ما اسمته معاهد البحوث الامريكية  ب( الاصوليات الدينية ) في نهاية السبعينيات وانطلاق تاثيراتها في الثمانينيات بفرض خميني الحرب على العراق بعد ان رفع شعارا زائفا هو ( نشر الثورة الاسلامية)  في العالم واختياره للعراق ليكون المحطة الاولى في نشرها ! وتبني شعارا غريبا وهو ان ( تحرير القدس عبر تحرير بغداد ) وليس تحشيد قوات وقوى كافة المسلمين لمواجهة الكيان الصهيوني الذي تعزز امله في النصر الحاسم على العرب  باعتراف السادات به وتفتحت شهيته التوسعية اكثر مما سبق !
ما هي النتائج  الاساسية للبروز المهندس بدقة للتيارات الناشطة باسم الدين اسلاميا ومسيحيا وهندوسيا ويهوديا بشكل خاص ؟ بما ان احياء  ما سمي ب(الاصوليات الدينية) شمل كافة الاديان الرئيسة وليس الاسلام وحده فان التطرف الديني دعم وعزز بوضع الاعلام العالمي ومليارات الدولارات تحت تصرفه فوقع الانقلاب الستراتيجي الاخطر منذ دحر المانية الهتلرية وهو حلول الصراعات الدينية والطائفية محل الصراع  الاساس بين العالمين الرأسمالي والشيوعي.
للتذكير  فقط وبعد تطبيق ستراتيجية احياء الاصوليات الدينية في نهاية السبعينيات وصلت القوى اليمينية المتسترة بأسم الدين الى الحكم لاول مرة وكالاتي : حزب الليكود وصل للحكم في الكيان الصهيوني ، اسقط شاه ايران ونصب خميني ديكتاتورا اوحدا على اسرائيل الشرقية ، وفي اوربا الشرقية بدأت عملية تدمير الشيوعية فيها بالحملة في بولونيا بدعم البابا البولوني الاصل وبدأت الشيوعية تتراجع ، وفي الهند صعد الحزب القومي الهندوسي للحكم في التسعينيات وازاح سيطرة حزب المؤتمر ، وفي افغانستان ظهرت طالبان ومعها القاعدة ! في امريكا  بدء تزايد نفوذ اليمين المسيحي المتصهين  ومعه تفجر الصراع بين انصار نظرية  التطور لدارون ونظرية الخلق المسيحية .
هل ما حصل في نهاية السبعينيات بتتابعه وتكامل خطواته كان صدفة ام انه مخطط موضوع سلفا لتغيير الصراع الرئيس في العالم وانماط التفكير الاجتماعي والاخلاقي والفردي بانقلاب شامل هو الاخطر في القرنين الاخيرين ؟ ليس هناك ذكي واحد يستطيع انكار ان ما حصل من تغييرات ستراتيجية الطابع كان ثمرة مخطط امريكي صهيوني مشترك هدفه دفع الصراع الراسمالي الشيوعي الى الخلف وجعل الصراعات الدينية هي المحور تمهيدا لاسقاط النظم الشيوعية وتصفية حركات التحرر خصوصا الفلسطينية والتي كانت حركة المقاومة الفلسطينية تجسيدا لها .
اول قنابل تهديم الصراع التقليدي بين الشيوعية والرأسمالية عالميا وبين حركة التحرر الوطني العربية والصهيونية في منطقتنا كانت الحرب التي فرضها خميني على العراق تطبيقا ستراتيجيته المعلنة وهي ( نشر الثورة الاسلامية ) والذي اقترن بتبني اساليب الحرب بكافة اشكالها ضد العراق وفرضها عليه مما ادى الى وقوعها واتساعها واستمرارها  .
وصول خميني للحكم وفرضه الحرب على العراق ، اذن ، انتج وضعا جديدا مختلفا  جذريا تماما عن وضع ما قبل وصوله للحكم ، فالعراق الذي كان داعما رئيسا للمقاومة الفلسطينية ، ان لم يكن الداعم الرئيس ، والمتمسك الوحيد كنظام وكحزب بتحرير فلسطين ورفض الحلول الاستسلامية وجد نفسه امام حرب لم يسبق لها مثيل في المنطقة من حيث العنف والامتداد الزمني والمكاني والتهديد بالانتشار في اقطار عربية اخرى هددها خميني بالغزو بعد اسقاط النظام في العراق ، فاضطر العراق الى توجيه اغلب موارده البشرية والمادية لمنع غزوه من قبل خميني .
نظام خميني كان قد اسس تنظيمات تابعة له داخل العراق وخارجة ، كحزب الدعوة والمجلس الاعلى وفيلق بدر وحزب الله وغيره ، تعمل على اثارة الفتن الطائفية والتي ظهرت لاول مرة بعد وصول خميني للحكم ونتيجة لخطته القائمة على اثارة الفتن الطائفية وتمزيق الوحدة الوطنية . وانتقلت نيران الفتن الطائفية الى كافة دول الخليج العربي وظهرت جماعات تابعة لاسرائيل الشرقية تعلن رسميا عن ان هدفها هو اسقاط انظمة الخليج العربي كلها وكان لبنان وسوريا من بين اوائل الاقطار العربية التي غزاها خميني واسس فيها تنظيمات تابعة له يستخدمها ضد العراق والاقطار العربية الاخرى في المشرق .
وهكذا وجد العرب المشارقة وليس العراق فقط انفسهم اما خطر مميت يتمثل في اصرار خميني على اسقاط الانظمة العربية واستخدام العنف في اخطر صوره ضدها . هنا برز تناقض جديد رئيس وليس ثانويا وفرض نفسه على عرب المشرق واحدث انقلابا في الاولويات الستراتيجية للاقطار العربية تمثل في اعداد النفس للرد على اسرائيل الشرقية واحباط محاولاتها غزوها والتدخل في شوؤنها الداخلية . من كان الخاسر الاكبر بعد العراق ؟
كانت فلسطين هي الخاسر الثاني بعد العراق حيث ان الجهد العراقي الجاد والمعروف بانه الاكثر قربا للميثاق الوطني الفلسطيني تحول الى الرد على عدوانات  وغزوات اسرائيل الشرقية وتصاعدت الازمة لدرجة ان العرب انقسموا حول الموقف هل هم مع العراق العربي المعرض للغزو ام مع اسرائيل الشرقية التي تبنت شعارات صحيحة نظريا ولكنها كانت غطاء لامرار غزوها للاقطار العربية وهو دعم القضية الفلسطينية ؟ كان نظام خميني وهو يحارب العراق ويتدخل في دول الخليج العربي يصرخ باسم فلسطين ويدعو للموت لامريكا واسرائيل الغربية فاربك ذلك بعض العرب الذين يجهلون حقيقة المطامع الفارسية القديمة والمتجددة  في الوطن العربي .
وادى كل ذلك الى ظاهرة جديدة وهي تحول الجهد الرئيس للعرب من مواجهة الكيان الصهيوني الى الرد على اسرائيل الشرقية فتمتعت اسرائيل الغربية باطول فترة امن وامان واستقرار نتيجة لغياب الضغط العربي عليها ! ما  معنى هذا كله ؟ المعنى اولا واهم هو ان خميني وليس غيره احدث انقلابا ستراتيجيا خطيرا في المنطقة والوطن العربي أحل الصراع الطائفي بين المسلمين محل الصراع العربي الصهيوني . فمن لا يضمن حياته لا يستطيع الدفاع عن غيره مهما اراد ذلك لان البديهية الاولى في الحياة هي ان تكون موجودا كي تقوم بما تعد  وتلتزم به . لهذا اصبح التناقض الرئيس بين عرب المشرق خصوصا عرب العراق والخليح العربي هو مع اسرائيل الشرقية  بعد ان كان حتى وصول خميني للحكم مع اسرائيل الغربية .
وبنظرة سريعة ، اخذين بنظر الاعتبار واحدة من اهم حقائق صراعنا مع الصهيونية وهي ان قدرات فلسطين وحدها لا تكفي لتحريرها ، نرى ان تحرير العراق من الاستعمار الفارسي هو الشرط المسبق لتحرير بقية الاقطار العربية مثل سوريا واليمن ولبنان ومن ثم اعادة تنظيم قوانا لتحرير فلسطين كلها ، فالعراق هو البوابة التي بغلقها نخنق نغول الفرس في الاقطار العربية الاخرى وتسهل عملية اجتثاثهم وتحصر شرور اسرائيل الشرقية ضمن حدودها مع العراق ، اما عندما يبقى العراق تحت الاستعمار الفارسي فان اهم قوة عربية في المشرق  تبقى في خدمة الفرس ومخططاتهم الامبراطورية التوسعية وهي العراق بشعبه المقاتل العنيد وبثرواته وموقعه الخطير فيصبح هدف تحرير فلسطين مستبعدا .
وما حصل لاحقا وايضا بسبب الانقلاب الستراتيجي الذي احدثه وصول خميني للحكم وقيامه بمهمته الاساسية وهي تطبيق خطة سايكس بيكو الثانية القائمة على تقسيم الاقطار العربية وتقاسمها فان سوريا وليبيا دخلتا الى جانب العراق في قائمة القضايا المركزية لان ما تواجهه هو التقسيم والغزو الاجنبي وتدمير الهوية القومية وتهجير الملايين مثل فلسطين واكثر بكثير من حيث الضحايا والدمار . ثم زجت اليمن في محرقة الصراع واشعلت نيران فتن عمياء في دول الخليج العربي ومصر والسودان والمغرب العربي فاصبج الشعب العربي في كل قطر يواجه تحديات خطيرة تجعله عاجزا عمليا وبغض النظر عن النوايا عن مواصلة النضال من اجل فلسطين .
وفي ضوء ما تقدم علينا ، ومن منطلق ستراتيجي وقومي وتاريخي بنفس الوقت ، ان نفهم بوضوح بان فلسطين لن تتحرر ابدا ولن يحصل شعبنا العربي الفلسطيني حتى على بقايا حقوقه الثابتة بوجود عراق محتل من قبل اسرائيل الشرقية او غيرها وبوجود سوريا وليبيا ويمن وسودان ولبنان يتفتت ويحترق واقطار تتمزق داخليا مثل مصر وتونس ، فقط بتحرير العراق اولا وقبل كل شيء يمكن تحرير بقية الاقطار العربية او بعضها على الاقل ويصبح العرب في حالة توحد وتجميع للقوى فيعود الصراع الاصلي الى حالته الطبيعية الاولى والتي تحتل فيه قضية فلسطين وبلا منازع في الخطورة موقع القضية المركزية لكل العرب.
وهنا يكمن بالضبط الدليل الحاسم على صواب قيام الرفيق عزة ابراهيم بوضع اولويات التحرر العربي بصورة مناسبة لهذه المرحلة يحتل تحرير العراق فيها الموقع الاول .
          Almukhtar44@gmail.com
                       31-1-2016
شكرا لك ولمرورك