أحدث المواضيع

هل تغيرت وسائل تحقيق الثورتين الاجتماعية والتحررية ؟ 5 ــ صلاح المختار


         يتعب الإنسان أكثر ما يتعب وهو واقف في مكانه
                                                          حكمة عالمية
والمشروع  البعثي للحل السلمي مستند على ما يلي :
أ-الغاء دستور الاحتلال لانه اصل كل شرور العراق الحالية .
ب-الغاء المحاصصة الطائفية والعرقية والعودة للمعيار الوطني الوحيد الصحيح وهو المواطنة المتساوية قانونا وعملا وبغض النظر عن الدين والطائفة والاثنية .
ج-الغاء كافة القوانين والانظمة التي صدرت عن الاحتلال وبعده وفي مقدمتها اجتثاث البعث بكافة اشكاله وانهاء حظر البعث والسماح بحرية الاحزاب واصدار قانون التعددية الحزبية التي لا تقوم على الطائفية والعرقية وكذلك اقرار قانون حرية الصحافة .
د-تشكيل حكومة مؤقتة من التكنوقراط تدير العراق لمدة عامين وتعيد بناء الخدمات الاساسية وتعيد الامن والامان وتهيأ دستورا جديدا لاقراره باستفتاء شعبي حر بأشراف الامم المتحدة والجامعة العربية لضمان سلامته ومنع التزوير .
ه-انهاء كافة المليشيات  والجماعات المسلحة .
و-اعادة بناء الجيش على اسس وطنية ومهنية وفقا لقواعده التي سادت قبل الاحتلال .
ز- اجراء انتحابات حرة بعد عامين وتحت اشراف الامم المتحدة وبوجود قوات عربية ودولية لضمان نزاهتها ومنع الارهاب وضمان حرية وحياة المواطنين .
 ح– منع التدخلات الاجنبية بكافة اشكالها في شؤون العراق وتحت اي غطاء  .
بعد قبول هذه الشروط من قبل كافة الاطراف الفاعلة يمكن عقد مؤتمر وطني للمصالحة العراقية لتنفيذ بنود المشروع الوطني للمصالحة، وبدون قبول هذه الشروط ليس هناك مصالحة ولا حل سياسي لازمة العراق . وهذا الحل يمثل الحد الادنى الذي يضمن بقاء العراق الواحد ويوقف عملية دفعه للتقسيم بسحب البساط من تحت اقدام كافة الاطراف التي خططت لتقسيمه ، خصوصا وان اعتراف القوى الاقليمية والدولية والعربية بدور البعث وحلفاءه الحاسم في حل مشكلة العراق يعد ثمرة الهزيمة الستراتيجية الامريكية التي تمثلت في العجز عن مواصلة الصراع المسلح مع المقاومة والغاء هدف جوهري وهو البقاء في العراق على الاقل نصف قرن والانسحاب بعد خمسة اعوام فقط ، وهذه النتيجة هي انتصار ستراتيجي واضح للبعث والمقاومة لكنه ناقص للافتقار الى شروط تحقيق النصر الكامل والشامل المعروفة .
 هل هذا الحل ينتمي للعمل العسكري ام العمل السياسي ؟  انه حل سياسي لكنه ثمرة الاقتدار القتالي للبعث والمقاومة والاحتفاظ به بدليل تراجع القوى الدولية والعربية والاقليمية عن رفض الاعتراف بدورالبعث وحلفاءه  واضطرارها للاعتراف بان لا حل الا بوجود دور رئيس للمقاومة والحركة الوطنية العراقية . ولكنه ايضا نتاج الاقتدار السياسي المنفتح على طرق متعددة للتحرير وترابطها عضويا بما يضمن السير في طريقه ولكن بوسائل سلمية وليس باختيار طريق اخر بعيد عن هدف التحرير ، بهذه الشروط الواضحة الضامنة لاسس مصلحة العراق يمكن بدأ مسيرة تحقيق كافة الاهداف الاخرى تباعا .
ولعل ابرز الحقائق الواجب لفت النظر اليها لانها تحدد من المستفيد من هذا النوع من الحل السلمي حقيقة ان القوى التي اعتمد عليها الاحتلال قد تفسخت وعزلت كليا عن الشعب بكافة ابناءه بعد 13 عاما من تجربتها والتي اثبتت انها فاسدة ومتخلفة وتابعة ونصف امية او امية بالكامل وولاءها ليس للعراق وهويته الوطنية بل لاطراف اجنبية معادية . وبناء عليه فان الحل السلمي الديمقراطي لن ينتج في محصلته سوى الفوز الساحق للقوى الوطنية في اي انتخابات حرة تشرف عليها الامم المتحدة والجامعة العربية وبحماية القوات العربية والدولية في حالة عدم اكتمال بناء الجيش الوطني عندما يحين وقت الانتخابات .
فهل الحل السلمي في هذه الحالة تراجع ام تقدم للامام ؟ بما ان الحرب حالة اضطرارية لضمان حق الشعب الكامل في الحرية والاستقلال والسيادة فان بروز امكانية حل سلمي يوفر الدماء والتضحيات ويوقف معاناة شعب العراق الكارثية ويحقق جوهر اهدافه هو حل مطلوب وضروري .
يضاف الى ذلك ان توازنات القوى بين المحتلين – الصهيونية الغربية والفرس –والقوى الوطنية بعد حل الجيش الوطني وتدميره وتعمد حرمان المقاومة والقوى الوطنية من وسائل الحرب الكافية لتسجيل النصر الكامل  يفرض قبول انتصار ناقص يكون مقدمة لاكماله تدريجيا وبوسائل اخرى تكمل مهمة الحرب . هذا مافعلته كافة الامم التي تعرضت للغزو ووصلت حالة الحرب فيها بين المحتل ومقاوميه الى طريق مسدود ينذر اذا استمرت بالحاق دمار كامل بالقطر وتفتيت قوى المقاومة تدريجيا واستنزاف روح المقاومة لدى الملايين من الجماهير ، لهذا فان الانقاذ يبدأ من ايقاف عملية التدمير المنظم للمجتمع والدولة ومنع تواتر عمليات استنزاف معنويات الشعب ودفعه نحو حل مهين يفتقر للاستقلال والسيادة والحرية ويقوم على ايقاف القتل والاضطهاد فقط .
هنا نصل الى مفصل تاريخي واضح : فالثورة بما انها عملية التغيير الجذري للواقع فان جوهرها هو تحقيق الاهداف الاساسية وضمان تواصل تحقيق بقية الاهداف تدريجيا في حالة بروز حالة الجمود او الوصول الى طريق مسدود، وبهذا المعنى فالحرب ليست غاية بذاتها وانما هي وسيلة لتحقيق الاهداف العامة فاذا برزت امكانية اخرى توصل للهدف الاساس غير الحرب فانها افضل بكثير من كوارث الحروب . ولهذا فان الدمج بين الحل العسكري والحل السياسي حالة طبيعية ومنطقية وضرورية في حالات معينة وضحناها وليس  حالة  غريبة .  
ولكي نفهم ما خطط له الاعداء لابد من ملاحظة واقعة لا يجوز تجاهلها وهي ان قبول الاحتلال بطرفية الامريكي والايراني بالحل السلمي وبمشاركة المقاومة والقوى الوطنية  ليس سوى موقف اضطراري ولهذا فانه يستبطن خطة خبيثة وهي استغلال الاخطاء المنطقية للمقاومة والقوى الوطنية لاجل عزلها عن الشعب واكمال تدميرها بأقناع قطاعات واسعة من الناس البسطاء بان المقاومة والقوى الوطنية لا تريد حلا سلميا يوقف الكوارث فتعزل عنها وهو هدف يسبق الاستئناف المبرمج بطريقة اخرى لمحاولات تصفية المقاومة بعد عزلها عن الجماهير التي تشكل حاضنتها ومصدر قوتها الاساسية وضمانة ديمومتها .
فالمقاومة العراقية - وهذه حقيقة يجب تذكرها دائما - ليست مجرد فصائل هبت لمقاومة الاحتلال فور حصوله وبلا ستراتيجية وطنية شاملة او برنامج اجتماعي اقتصادي ثقافي لاحق لها ، وهو ما يميز بعض الفصائل التي برزت بعد الاحتلال ثم تبخرت عقب عام 2006 ، لكنها ايضا فصائل مقاومة وقوى جماهيرية منظمة وذات تجارب غنية وامكانيات بناء وتعمير وخلفيات عقائدية متجذرة مبنية على طابع رسالي مميز لها ، وهذه الاخيرة غير قابلة للتبخر بحصول تطور او حدث يهز اركان القوى المؤقتة والعابرة بل هي قوى لها دعم جماهيري منظم وتملك اداة عسكرية مدنية قوية جربت اكثر من مرة في تاريخ العراق الحديث واثبتت انها تتحمل ليس فقط الضربات القاتلة وتعود للنهوض بل ايضا انها تملك تصورات ستراتيجية بعيدة مثلما هو حال المحتل ، لذلك فان وجود قوى تاريخية عقائدية سابقة على الغزو واعدت لمواجهته قبل وقوعه تستطيع البقاء في حلبة الصراع  في مختلف مراحله قوية ومؤثرة ولا تزول بمجرد تعرضها لازمات عابرة .
لو تذكرنا اسماء فصائل المقاومة العراقية التي برزت بعد الغزو وفي اوقات مختلفة سنجد ان من اهم ميزات مقاومة العراق هو تلاشي فصائل كانت كبيرة وزوالها وعدم بقاء اي اثر لها سوى الاسم ، وحتى الاسم اصبح ماركة مسجلة لعقد الصفقات ( التجارية )المتناقضة مع الهدف الجوهري للمقاومة اصلا وهو تحرير  كل العراق وليس طائفة منه . بينما نلاحظ ان فصائل البعث وحلفاءه ورغم تعرضها بمفردها تقريبا لاشنع عمليات الاجتثاث والشيطنة الاعلامية فانها بقيت وتعززت قوتها ووصلت هذه القوة ذروتها بعد تعرضها لاستشهاد عشرات الالاف من مقاتليها ورموزها الاساسية خصوصا جيش رجال الطريقة النقشبندية الذي مازال شوكة تدمي عيون اعداء العراق .  
هذه الظاهرة المشهودة تعود في منشأها لحقيقة واضحة الان وهي ان البعث بحكم كونه حزبا رساليا نشأ اصلا من اجل احداث تغييرات جذرية في حالة الامة العربية وفي مقدمتها طرد الاستعمار وانهاء الفقر والتمييز الطبقي واعادة بناء الانسان بعد تحريره من العوز والحاجة وتسليحه بالعلم والمعرفة الحديثة ، وفوق كل هذا وبعده ان بناء مجتمع بهذه المواصفات هو عملية ترافق او  تهيأ لتوحيد العرب في دولة واحدة تمتد من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي. من هنا نرى اسباب خلود البعث وديمومته واستحالة القضاء عليه .
لذلك فان ما يميز اصحاب الرسالات الخالدة هو الديمومة والاستمرارية وتوالد الاجيال واعداد القادة موجة بعد موجة فلا ينهي دورهم الرسالي اعدام القادة ولا اغتيال او استشهاد عشرات الالاف منهم فالبعث وهو الحزب التاريخي الوحيد المتبقي الان وهو بطن ولادة تنجب الابطال والعباقرة وبناة الدول والمغيرين للمجتمعات نحو غد افضل . ان بقاء البعث وحلفاءه وفصائله يعود لهذا السبب بالذات بينما زالت بقية الفصائل لانها ظواهر مرحلية نشأت للرد على الغزو وحالما تعقد الصراع ودخلنا في مرحلة تولي المخابرات قيادته من جهة الاعداء حتى تبخرت تلك الفصائل وبقيت القوى التي تملك ايضا نظرة ستراتيجية لدورها الرسالي وعيون مخابراتية متقدمة تحرسها وترسم لها الطريق الاكثر امنا ونجاحا في حقول الغام انتشرت في كل مكان .
والدرس الكبير الذي قدمته تجربة العراق المحتل واضح جدا : فاستهداف القوى التاريخية يختلف نوعيا عن استهداف القوى المرحلية ، فلئن كان استهداف القوى المرحلية مرحليا مثلها فان استهداف القوى الرسالية العقائدية ممتد لمراحل طويلة تقررها طبيعة تحولات الصراع ، لهذا فان  القوى التاريخية تمنح اساليبها وخياراتها التطبيقية اهتماما كبيرا جدا وتنمي قدرتها على رؤية التحولات الميدانية معتمدة على مرونة عالية جدا لتجنب اختيار اسلوب غير مناسب قد يستغل لتصفيتها  او يضعها في زاوية قاتلة .امريكا لم تعد بحاجة لاعتبار بقايا الاحزاب الشيوعية خطرا اساسيا يهددها رغم انها امتلكت صفة التاريخية لان قاعدتها زالت وهي الاتحاد السوفيتي وبزواله تشتت الاحزاب الشيوعية  وتقزمت عالميا واصبحت كتلا متنافرة ونخبوية بعد ان كانت ملايينية الجماهير ، واختير البعث ليكون هو العدو الاول والاهم .
وهذه الحقائق كلها  تفسر ظاهرة قد تبدو غريبة وهي  ان قانون الاجتثاث اقتصر على البعث فقط ولم يفرض على الاحزاب الشيوعية حتى بوجود الاتحاد السوفيتي ،اما التنظيمات المتسترة بعقيدة دينية زائفة والتي انتشرت فهي ظاهرة عابرة لانها عمل مخابراتي متقن ابتدأ من افغانستان واسرائيل الشرقية في نهاية السبعينيات بايصال خميني للحكم ، لكنها كشفت هويتها الحقيقية عبر كوارث غير مسبوقة دفعت لصنعها ، والذي بقي هو القوى ذات المشروع القومي وطليعتها المقاتلة البعث .وتزداد خطورة الحزب الرسالي في مناطق ما يسمى بالمصالح الامبريالية وابرزها الوطن العربي اليس هذا كاف لفهم لم استهدف البعث ولم عليه اختيار الطريق الاصح ؟
هذه الظاهرة المشهودة لكل من له بصر وبصيرة تتطلب منا نحن البعثيون قدرا اعظم من العقلانية والتحمل والرفض التام لاي انجرار الى معارك جانبية وهي الطريقة الافضل لقوى الردة لتحييد قوانا الستراتيجية ووضعنا في زاوية خانقة . يتبع .
          18-4-2016  
شكرا لك ولمرورك