أحدث المواضيع

العراق: السلطة تواصل قتل الأسرى والسجناء ــ الدكتور عبد الكاظم العبودي


جنيف 8/6/2015
بعد يوم واحد على تلّقي المركز رسالة من عائلته تشرح سوء حالته الصحيّة جرّاء الإهمال المتعَمّد، اعلنت إدارة سجن الناصرية المركزي (جنوب العراق)، يوم الجمعة 5/6/2015، وفاة نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز في مستشفى الحسين التعليمي وسط المدينة.
وطبقاً لما وثّقه مركز جنيف الدولي للعدالة، فلقد تعرّض طارق عزيز الى معاملة سيئة من قبل السلطات العراقيّة تخلّ بحقوقه بموجب اتفاقيات جنيف والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومنها حرمانه من محاكمة عادلة وتوجيه تهم اليه مثيرة للاستغراب، كما لم يتمتع محاموه بالفرص اللازمة للدفاع عنه. ان تلك السلطات مارست انواع من التعذيب البدني والنفسي ضدّه، وضد بقية الاسرى والمعتقلين، وحرمته من المستلزمات الدوائية والرعاية الصحيّة المنتظمة رغم اداركها الكامل بخطورة وضعه الصحي وحاجته للعلاج المستمر تحت اشراف طبّي وهو حقّ له يكفله القانون.
كما قامت بنقله من مدينة بغداد الى مدينة نائية جنوب العراق وفي سجن بدائي كانت تسيطر عليه في غالب الأمر الميليشيات التي توعدّت المعتقلين بالقتل. وبعد هذا النقل حُرم من اصطحاب ادويته معه، كما انقطعت اتصالات عائلته به، إلاّ بعد تدخّل من الصليب الأحمر الدولي.
ان السيد عزيز البالغ 79 سنة من العمر، الذي سبق وان تبوأ مناصب دبلوماسية رفيعة وشارك في نشاطات دولية عالية المستوى، كان قد سلّم نفسه في 24 نيسان 2003 إلى قوات الاحتلال ضنّاً منه انها ستحترم التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي وتعامله كأسير حرب، وانها لن تعرّضه لأيّ اذىً خاصّةً وانه لم يكن متهمّاً باي شئ. إلا ان القوات الأمريكية، وكعادتها مع بقية الأسرى والمحتجزين العراقيين، من القادة السياسسين والعسكريين والاكاديميين ورجال الدين، سلّمتهم الى السلطات العراقية التي مارست ضدّهم التعذيب البدني والنفسي، موجّهة اليهم الكثير من التهم الكيدية، واستخدمت بصورة خاصة الإهمال الصحي لغرض انهاء حياة هؤلاء الأسرى والمعتقلين. وبالفعل فقد سبق للمركز ان وثّق حالات وفاة عدد من الاسرى والمعتقلين جرّاء ذلك.
لقد شكلّ ذلك مخالفة صريحة لأحكام اتفاقيات جنيف وخاصة ما يتعلق بحماية الأسرى والمحتجزين والمعتقلين التي اوجبت ان تكون المعاملة بطريقة إنسانية في جميع الأحوال، وان لا يكون الإحتجاز شكلاً من أشكال العقوبة. وكفُلت للمُحتَجز الحماية من كل أعمال العنف والترهيب. وحسب القانون الدولي الإنساني فأن الشروط الدنيا التي تنظم الاحتجاز تشمل الحماية من الإعدام بإجراءات موجزة والحماية من الاختفاء القسري وجميع أشكال سوء المعاملة، وان تكون ظروف الاحتجاز ملائمة، بما في ذلك الغذاء والماء والنظافة والرعاية الطبية؛ وان يتوفر للمعتقل امكانيّة الاتصال مع العالم الخارجي، ولا سيما مع أسرهم؛ ومراعاة الضمانات الإجرائية والقضائية التي تمنع الاحتجاز التعسفي.وتتشابه القواعد التي تنظم معاملة المعتقلين المدنيين وظروف احتجازهم بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان كثيراً مع القواعد التي تنطبق على أسرى الحرب. فالشخص المحروم من حرّيته، مهما كان سبب اعتقاله والتهم الموجّهة اليه والأفعال المحكوم عليها، يتمتع بحماية تضمن سلامته من القتل والتعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطّة بالكرامة، وتضمن حصوله على الرعاية الأساسيّة من الماء والغذاء والدواء والملبس وأسرّة النوم، والاشراف الطبّي المستمر، وان يكون مكان الاعتقال او السجن آمناً، كما تضمن حقّة في الاتصال بالعالم الخارجي وزيارات منتظمة من قبل عائلته.إن السلطات الأمريكية الحاجزة، منذ عام 2003، لم تلتزم باي من هذه القواعد، ولعلّ عمليات التعذيب التي مارسهتا في ابو غريب هي أنصع مثال على ذلك. ثم تمادت في الانتهاكات عندما سلّمت في سنوات لاحقة من كانوا محتجزين لديها الى السلطات العراقية التي كانت تتحين الفرص لإعدامهم الواحد تلو الآخر بمختلف الطرق. لقد مارست السلطات العراقية المتعاقبة ابشع ضروب المعاملة اللاإنسانية للأسرى والمعتقلين، وحرمتهم من حقوقهم الأساسيّة، وغالباً ما تركتهم دون ماء او غذاء، ودون منام معقول اذ اضطّر اغلبهم لإفتراش الأرض لأيام طويلة. كما عرّضتهم لتدخل الميليشيات الطائفية وتهديداتها المستمرّة. كما اقامت المحاكم الصورية التي لا تتوفر فيها ابسط مقومات المحاكمة العادلة واصدرت ضدّهم احكاماً انتقامية قاسيّة.ولما تقدّم، فإن مركز جنيف الدولي للعدالة يرى ان سلطات الإحتلال بقيادة الولايات المتحدّة الأمريكية والسلطات العراقيّة تتحملان مسؤوليّة اساسيّة عن ما جرى للسيد طارق عزيز، وخاصة لعدم اتخاذها الإجراءات المناسبة لضمان المحاكمة العادلة له، ولضمان الرعاية الصحيّة اللازمة بعد تدهور صحّتة كثيراً في السنوات الأخيرة، ويحقّ لعائلة السيد عزيز مقاضاتها امام القضاء المحلّي والدولي.انه لمن المثير للجزع والأدانة الشديدة ان السلطات العراقية ما تزال ترفض ـ حتّى صدور هذا البيان ـ تسليم جثمان السيد عزيز لعائلته، اذ تشترط ان لا تُجري له في الأردن (حيث اوصى ان يدفن فيها) اية مراسم وان لا يحضر عملية الدفن ايّ من المعارضين لها. إن السلطات العراقية التي تعجز عن بسط سلطتها على معظم مساحة العراق تسعى بذلك ان تباشر سلطاتها داخل اراضي دولة اخرى من اجل الإمعان في التنكر لحقوق المعتقلين لديها حتى حقّهم بعد الوفاة في ان يُدفنوا بكرامة وإنسانية اننا نؤكد بهذه المناسبة على نداءاتنا السابقة للأمم المتحدّة والصليب الأحمر الدولي بضرورة ضمان حماية كل الأسرى والمعتقلين في العراق وضرورة ان تتوفر لهم حقوقهم الأساسيّة وان يعرف العالم الخارجي اوضاعهم وما يتعرّضون له من ظروف قاسية وتهديدات مستمرّة، كما ينبغي الضغط على السلطات العراقيّة للوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.




شكرا لك ولمرورك