أحدث المواضيع

الارتزاق بتجارة الحرب العالمية الثالثة القسم الأول ــ د. عبد الكاظم العبودي



منذ التدخل السوفيتي في أفغانستان، وما لحقه من تدخل أمريكي لاحق وتدريجي في مراحل الحرب الأفغانية تحت شعار طرد السوفيت من أفغانستان، دشنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية القرن الماضي وفي بداية القرن الحالي حروبا وغزوات خارج أراضيها كشفت عن مخططاتها التي تخدم أغراضا تجارية وربحية بحتة واسعة؛ وفي مقدمتها يتم إرضاء الشركات النفطية ومصانع السلاح الحربي وتجارة المخدرات وتنشيط ادوار المجموعات البنكية العالمية التي انتهجت سياسات النهب وتبييض الأموال المهربة في ظل سيادة الحروب الأهلية والظروف الاستثنائية والشاذة والأزمات ودعم حكم وسلطات عصابات الجريمة المنظمة والمافيا السياسية والتجارية التي تتكامل في تطلعاتها وأطماعها من خلال إثارة الحروب والعمل على استغلالها والمتاجرة بكل أشكالها من خلالها ولا يمكن إخفاء الدور الصهيوني لجماعات المحافظين الجدد في كل ذلك المخطط في الشرق الأوسط الكبير.
ان الشركات العابرة للقارات،متعددة الجنسية، او فوق القومية، خاصة شركات البترول والطاقة وفي مقدمتها هالبرتون Halliburtonوغيرها يسيرها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة تكون قد تجاوزت في نفوذها حتى السلطات السياسية للدول الكبرى وصارت لها لوبيات آمرة لتنفيذ سياساتها وهي التي حولت منظومات جيوش تلك الدول العظمى إلى أدوات جريمة وغزو لتنفيذ الغزو والعدوان والإشراف على عمليات النهب، فكان ان جندت في مخططاتها الشركات الأمنية الخاصة التي تعمل الى جانب تشكيلات الجيش الأمريكي النظامية. تكاملت أدوارها في تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية في ما وراء البحار، حيث تخلق مناطق التوتر والحروب التي تديرها وتتورط بها ادارة الولايات المتحدة.
ظاهرة تعاون الشركات الأمنية الخاصة مع المخابرات الأمريكية وتجنيدهما المرتزقة في أنشطتها بالتنسيق مع إدارة القوات النظامية الأمريكية برزت منذ حرب فيتنام في الستينيات من القرن الماضي ضمن برنامج سري عُرف باسم ( العمليات السوداء).
وإذا كانت المرحلة المبكرة لهذه الظاهرة عبرت عنها عمليات خاصة بإشراف الولايات المتحدة بإرسال المرتزقة وتكليفهم بتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب ضد مواقع معادية لا تريد واشنطن آنذاك التورط فيها بشكل مباشر لمراعاة سياقات كانت تحكم العالم في ظروف الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، حتى وصل الامر بان الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتنكر ولا تعترف بأي من الأمريكيين التابعين لهذه الشركات الأمنية الخاصة ممن اعتقلوا او قتلوا في تلك العمليات؛ إلا أن الامر اختلف اليوم في أفغانستان والعراق أين تتورط القوات الأمريكية في غزو واحتلال العراق لتطور أجهزتها الأمنية والعسكرية أشكالا أخرى من التدخل تبلور في وجود الشركات الأمنية الخاصة بشكل علني وهي تنسق بشكل علني مع القوات الأمريكية والمليشيات المحلية وحتى الأجهزة السرية للسلطات المحلية التي أفرزتها إدارة الاحتلال الأمريكي.
لقد كان رائدي عمليات خصخصة الحروب، والمستثمر الاول بها هما نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك شيني ورونالد رومسفيلد، وزير دفاع الحرب على العراق في عهد بوش الابن 2003.
وانطلاقا من دروس العدوان الثلاثيني على العراق بحجة " تحرير الكويت" وما بعده جرى تطوير شركات الخدمات العسكرية والأمنية الخاصة منذ منتصف 1992 أثناء إدارة بوش الأب حيث تم تكليف شركة Brown Root Services ، (وهي احدى الشركات الفرعية للشركة الأم هاليبورتون Halliburton التي كان يرأسها ديك تشيني منذ العام 1994 إلى أن أصبح نائبا للرئيس بوش الابن) تم تكليفها بوضع خطة لتنفيذ خصخصة الخدمات العسكرية في مناطق الحرب، فحصلت تلك الشركة على أربعة ملايين دولار،كان ذلك في عهد ديك تشيني عندما كان وزيرا للدفاع في إدارة بوش الأب حيث حصلت تلك الشركة في نهاية 1992 على خمسة ملايين دولار لتحديث خطة الخصخصة. كسبت تلك الشركة عقدا قيمته 2.5 مليار دولار لبناء وإدارة قواعد عسكرية بعضها كانت سرية كجزء من برنامج سمي " الزيادة المدنية اللوجستية للجيش" Army’s Logestics Civil Augmentation Program
وقد تم تنفيذ خطة ديك تشيني بالفعل حيث جرى تقليص الجيش الأمريكي من 2.1 مليون جندي في العام 1989 إلى 1.4 مليون جندي في العام 2004 لتأخذ شركات الخدمات العسكرية الخاصة مهمات سد الفجوة وتناط بها مهام خاصة بعد أن قررت الولايات المتحدة التورط في صراعات مسلحة إقليمية في مناطق ساخنة من العالم خارج أراضيها فكانت لشركة Foreign Logion رائدة في سد تلك الفجوة بين احتياجات السياسة ومطالب تخفيض الجيش، وذلك بما قدمته من متعهدين مرتزقة/ وحيث انتقل مئات الآلاف من العسكريين المتقاعدين الى العمل في هذه الشركات الخاصة، وطبقا لمركز الإحصاء العام للولايات المتحدة انفق البنتاغون 300 مليار دولار في تعاقدات بلغ عددها 3016 عقدا لشراء خدمات عسكرية من 12 شركة خاصة، وذلك خلال الفترة ما بين 1994 وعام 2002 ( هذه الأرقام لا تشمل عقود التسليح).
وقد أعطت صحيفة الفايننشال تايمز لهذا التيار عنوان ( الخصخصة الزاحفة لأعمال الحرب) وأفادت ان نسبة موظفي القطاع الخاص في القوات المسلحة الأمريكية إبان الثمانينيات ( أثناء حرب الخليج الأولى) لم تتجاوز %2 ارتفعت في العام 2003 (عام الغزو للعراق) إلى %10 . واستخدم البنتاغون أكثر من 70000 متعهد، وتم إنفاق 33 مليار دولار من إجمالي 416 مليار دولار، حجم الإنفاق العسكري الأمريكي على شركات الخدمات العسكرية الخاصة Private Military Companies طبقا لما خصخصه مجلس الشيوخ في الأسبوع الأخير من حزيران/يونيو 2004، وعن أكثر من 20 مليار دولار( أكثر من ثلث ميزانية الجيش المخصصة لأفغانستان والعراق) كما تذهب الى شركات الخدمات الخاصة.
لقد كان تعداد عناصر شركات الخدمات العسكرية الخاصة في العراق يقدر بـ 10000 وهو رقم يفوق اعداد القوات البريطانية في العراق التي كانت تحتفظ بحوالي 9900 جندي، كشفت بذلك دراسة قامت بها صحيفة الغارديان البريطانية وتوصلت فيها ايضا الى نسبة الافراد المتعاقدين في هذه الشركات الخاصة على خط النار يعد اكثر بعشر مرات عنه اثناء حرب الخليج الثانية 1991؛ ففي تلك الحرب كان يوجد عنصر من هذه الشركات الخاصة مقابل 100 جندي نظامي، اما في حرب الخليج الثالثة فانه يوجد منها في العراق عنصر من هذه الشركات الخاصة مقابل كل عشرة جنود نظاميين وبذلك اصبح القطاع الخاص جزءاً لا يتجزأ من الحرب والاحتلال.
وفي تلك الدراسة تتوصل الصحيفة البريطانية الى ان خصخصة الحرب الامريكية تتطلب الانفاق بحوالي 30 مليار دولار من مجموع 87 مليار على شركات الخدمات العسكرية الخاصة الذين تواجدوا في جميع مفاصل وجبهات الحرب سواء على ظهر البوارج الحربية وانظمة التسليح ذات التكنولوجيات المعقدة واعمال الصيانة والخدمة على الارض لكل منظومات التسليح الجوي. وبعد الحرب وانسحاب القوات الامريكية رسميا من العراق تركت المهام في التدريب والاشراف على القوات العراقية للقطاع الخاص من تلك الشركات التي يتجاوز تعدادها اكثر من 300 عنصر.

وعلى نفس المنوال تطورت منظومات شبيهة سياسية ومالية وتجارية ومافيا من الشركات في قطاع الطاقة وصناعات الأسلحة في روسيا الاتحادية تسعى هي الأخرى إلى التدخل حيثما توفرت لها الفرص مستفيدة من أخطاء سياسات الولايات المتحدة وتدخلاتها في شؤون البلدان الأخرى.
وإذا كانت هذه الأفعال الجرمية والممارسات تتم خارج نطاق الشرعية الدولية وقوانين الأمم المتحدة فان الإدارة الأمريكية عقدت الاتفاقيات الدولية وفرضت التعاون الأمني مع حلفائها في حكومتي العراق وأفغانستان واشترطت منح تلك الشركات وأفراد القوات الأمريكية الحصانة ومنع محاسبة أفرادها عن الجرائم المرتكبة من قبلهم كما هو الحال مع جريمة ساحة النسور ببغداد والهجوم على الفلوجة وغيرها حيث حصلت تلك الشركات على الحماية التامة من لدن القوات الأمريكية.
لقد ارتبطت الأفعال الجرمية لهذه الشركات وبالتنسيق مع قيادات قوات الولايات المتحدة بتبادل الأنشطة المطلوبة منها تبعا للظروف السياسية والأمنية والعسكرية لهذا البلد أو ذاك فكان تجنيد المرتزقة المسلحين المأجورين لهذه الشركات الخاصة يتم من خلال تجميع العناصر السابقة في فرق القوات الخاصة التي كانت تعمل في جيوش الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا وجنوب إفريقيا وفرنسا وإسرائيل والفيليبين وتشيلي وصربيا وغيرهم من الدول.
ولخلق بؤر التوتر المطلوبة لتبرير التدخل الأمريكي عملت المخابرات الأمريكية على تنظيم عددا من المجموعات والفصائل الإرهابية وبسميات إسلامية أو جهادية فدربتها سرا بواسطة خبراء من تلك الشركات وافتعلت حيثما تطلب الأمر الصدامات المطلوبة لتبرير شن حملة ما يسمى " مكافحة الإرهاب" والدفاع عن الأمن القومي للولايات المتحدة.
على نفس المنوال اشتغل الروس على تنظيم حالات مماثلة لتبرير اقترابها من مناطق الصراع والحصول على الامتيازات الناجمة عن صفقات الحرب الباردة الجديدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع القسم الثاني


الارتزاق بتجارة الحرب العالمية الثالثة
القسم الثاني
د. عبد الكاظم العبودي

تصل القراءة المتمعنة لمعطيات مناطق الصراع المحتدم اليوم في أفغانستان وشرق آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصل إلى نتيجة مفادها أن تلك الشركات الأمنية الخاصة والمليشيات والمنظمات الإرهابية بشتى واجهاتها السرية منها والمعلنة باتت جزءا أساسيا في توفير الخدمات العسكرية والأمنية الخاصة ينفذها مرتزقة مستأجرون في مجال تنفيذ السياسات الجيوبوليتيكية والاستراتيجيات العسكرية للدول الكبرى، وخاصة روسيا والولايات المتحدة، وهي ادوار مهمة جدا خاصة بعد أن حاولت قيادات جيوش الدول الكبرى الابتعاد عن التدخلات العسكرية البرية لاحتمال ارتفاع خسائرها على الأرض فكان لتلك الدول ان اكتفت بتقديم مساعدات تحت أبواب التدريب والمساعدات المالية والدعم اللوجستي من خلال الطيران وحتى القصف بالصواريخ العابرة للأجواء الإيرانية والعراقية والسورية كما تفعل روسيا اليوم حيث تقصف بصواريخ بوارجها الحربية انطلاقا من بحر قزوين لتستهدف مواقع محددة في سوريا.
ان ما يشهده الشرق الأوسط الكبير [حسب المسميات والمصطلحات الأمريكية] من أقصى حدود أفغانستان الشرقية مرورا بالعراق وسوريا واليمن وليبيا الى موريتانيا وسواحل الأطلسي غربا هي حرب عالمية تجري اغلب معاركها المدمرة بكل مواصفاتها قائمة وممتدة على أراض عربية تتم وفق مخططات مصالح الصراع الدولي على الموارد والنفوذ الجيوسياسي.
هذه الحرب تجري خصخصتها وتنفيذها بإدارة الدول الكبرى وتحالفاتها المحلية والإقليمية. وتفاديا لخسائر التدخل العسكري المباشر على الأرض وكلفته العالية فان الدول الكبرى ارتضت بدور تأجير قوات طيرانها وحتى منظوماتها الفضائية والصاروخية والأمنية وحتى أجهزتها السياسية وسفاراتها ووجودها في مجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة .
بعد الخسائر الفادحة على الأرض للتدخل البري الأمريكي في العراق وأفغانستان فان إدارة مسرح العمليات الحربية انتقل من الأرض إلى الجو تاركا بشكل أساسي لقوات الحكومات المتحالفة مع الأمريكيين والشركات والمجاميع الخاصة والمليشيات الموالية لجيوش الحكومات المرتبطة بالإدارة الأمريكية والمرتزقة القيام بتنفيذ الأعمال البرية القذرة على الأرض في التصدي لقوى المقاومة للاحتلال الأمريكي. وبعد إعلان الانسحاب الأمريكي من العراق والشروع بالتحضيرات للانسحاب من أفغانستان تركت القيادة العسكرية الأمريكية للمستشارين والمدربين وفرق الحمايات الخاصة لسفاراتها وشركاتها المهمة فرصة العمل على الأرض مستفيدة من خدمات الطيران والسيادة الجوية والدعم اللوجستي باستخدام الذخائر الذكية والتكنولوجيات العالية والتقدم العالي للمعلوماتية والرصد الأمني لها تقودها من بعد انطلاقا من أراضي وقواعد حليفة من دول الخليج وتركيا والقواعد الآمنة لها في العراق وأفغانستان.
إن توفر الاستخدامات المتطورة لحروب المعلومات Information Warfare بالإضافة الى التطور في المنظومات الالكترونية ودقة المراقبة للخصوم ووفرة ودقة وسرعة الاتصالات لصالح مراكز القيادة والسيطرة والإنذار المبكر والمعركة الفضائية باستخدام مراقبة التوابع الأرضية والأقمار الصناعية من أعالي الأجواء واستخدام الطائرات بدون طيار والمسيرة عن بعد يعطي للقيادة الأمريكية للحرب إمكانيات السيطرة والهجوم وتقليل الخسائر البشرية لحلفائها وشركاتها الخاصة العاملة على الأرض.
لقد وصلت ظروف الحرب القائمة على أراضي الشرق الأوسط الكبير الشاسعة الى حد احتساب كلفة وأرباح كل عملية جوية أو استكشافية بفواتير تفرض الإدارة الأمريكية على بعض الدول دفع كلفتها وهي صاغرة وليس لها من خيارات سوى الرضوخ لضغوط خصومها أو الارتماء التجاري والأمني لشروط تجار الحرب في البنتاغون او روسيا المتقدمة ألان نحو الخوض في هذه الحروب بعد التغيرات الدرامية لإستراتيجيتها في الشيشان وأوكرانيا لتجد في فرصة التدخل في سوريا مكانة لها للربح او الخسارة تبعا لموازين لعبة الحرب وتطوراتها المحلية والإقليمية.
وهذه الظاهرة الأخطر اليوم عندما ترتزق حكومات الدول الكبرى من الحرب فتشترك، اضافة في صفقات الحرب، في التدخل في الشؤون السياسية لعدد من البلدان ولها أيادي واضحة في تزوير نتائج الانتخابات وتوفر أغطية من المال السياسي والإعلامي لإيصال عملائها والمتعاونين معها وتسهيل عمليات النهب في منظومات الفساد والتهريب وتجارة المخدرات والبضائع الفاسدة وتبييض الأموال وتمرير بقية الصفقات التجارية والسياسية المشبوهة من خلال اتفاقيات الدعم لبعض الأنظمة القائمة وهي تعمل أيضا على ترويج بيع أسلحتها الفاسدة والمستهلكة وما تبقى في مخزون ترساناتها لبيع كل هذه الخردة العسكرية لهذه الدول بتضخيم فواتيرها والتخلص منها في الوقت المناسب بقصفها الذي يتم بعرض الخدمات لدول السوبرمان من خلال الاتفاق على تنفيذ الضربات الجوية للخصوم.
هذه الحرب خطط لها لتستمر بالتوازي مع خفض أسعار البترول والغاز من جهة واستنزاف موارد هذه الدول ووقف التنمية إضافة إلى العمل على قصف وتحطيم كل البنى التحتية لتخرج هذه البلدان وهي منهكة بشريا وماديا فتخضع من جديد إلى شروط الاستدانة من البنك الدولي وترتهن مستقبلها بتراكم الديون لفواتير التسلح الباهظة.
عملت الولايات المتحدة وبعدها روسيا على حلب خزائن حلفائها من كل من جهة وكان الاتفاق هذا يتجنب المواجهات العسكرية وحتى الدبلوماسية بين الدولتين الأعظم ويترك الأدوار الثانوية لحلفائهم من أنظمة إيران وسوريا والعراق في حين ينعدم وجود الدولة وتسود فوضى المليشيات التابعة لحكومات إيران المنتشرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا تقابلها على الطرف الأخر ما تسمى منظمات الإرهاب مثل القاعدة وداعش وكأن الحرب تأخذ هذه المرة خطوط جبهات طائفية أو شبه اثنيه .
الدول العظمى الولايات المتحدة وروسيا تتخلصا من ترسانة أجيال من الأسلحة التقليدية ببيعها وفق صيغ ما وتركها تسقط بيد منظمات الإرهاب بصفقات. فيكفي الذكر هنا ان تقديرات خسائر العراق وحدة من عملية سقوط محافظة الموصل في حزيران 2014 كلفت الحكومة العراقية أكثر من 27 مليار دولار من مشتريات الأسلحة التي لم تستخدم وأصبحت عرضة للقصف من قبل طيران دول التحالف يتدرب عليها طيارون من قواتها بسادية ومتعة لا نظير لها. بينما قدرت خسائر البنى التحتية في محافظات صلاح الدين ونينوى والانبار تجاوزت أكثر من 400 مليار دولار.
هذه الفاتورة المالية الضخمة تدفعها كل شعوب المنطقة وطالت أيضا دول الخليج العربي التي وجدت نفسها وسط حرب اليمن وهي تدفع من أرواح أبنائها وفواتير التسلح ما ينذر عن مخاطر وخيمة أولها الفقدان اليومي لملايين الأطنان من مبيعات البترول بأسعار متدنية وصلت إلى حدود 40 دولار بعد ان وصلت ذروتها بعد غزو العراق بحدود 140 دولار للطن الواحد.
من نتائج هذه الحرب العالمية التي بدأت بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في غزو أفغانستان ومهدت بنفس الحجج والمبررات لغزو العراق في نيسان/ ابريل 2003 بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل في العراق ومحاربة تنظيم القاعدة أن أصبحت القاعدة منتشرة خارج في كل أرجاء الشرق الأوسط الكبير، وصارت " قواعد" يجمعها الاسم لفظيا بينما ترعاها وتغذيها مخابرات دول الشرق والغرب؛ فداعش لم تعد سرا على من شكلها ورعاها وإطلاق يدها لتسيطر على مساحات واسعة من الأراضي العراقية والسورية وتمتد بأذرعها إلى بلدان عربية أخرى يطالها الإرهاب أو الحرب الأهلية والصراعات المحلية والطائفية وتشرف عليها مخابرات دول الشرق والغرب.
أنهت الحرب العالمية الثالثة كيانات الدول الوطنية وهي تمهد للتقسيم في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا ولا تستبعد منها مصر والمملكة العربية السعودية وبعض من دول المغرب العربي.
القصف الجوي المدفوع الثمن الذي تقوم به دول التحاف الدولي ضد داعش بطائرات أمريكية أو فرنسية يتحدث الناطقون العسكريون من هذه الدول عنها أنها ضربات استباقية لحماية الأمن الوطني والقومي لدولهم، كما تكرر ذلك ببيانات القيادات العسكرية الأمريكية والفرنسية وكأن الانبار أو الرقة أو الموصل أو حلب وحماه وحتى صنعاء أو عدن خطوط تماس لجبهات تلك الحرب. كما إن ترشيح تركيا وإيران ومصر وزجهما في هذه الحرب بدوافع إقليمية وطائفية وتحريضية وارتزاقية كلها تسعر من هذه الحرب وتوسع تجارتها ورفع فواتير تسلحها على حساب التوقف الكلي للنمو الاقتصادي والتنمية والخراب الاجتماعي واللحمة لشعوب هذه البلدان وجيرانهم.
الأزمة الاقتصادية التي مرت يهما كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وجدت لها متنفسا بالتعويض لما تحتاجه هذه البلدان من خلال ترويج بيع الأسلحة وخفض أسعار البترول من جهة والوعود المستقبلية لإعادة ما خربته تلك الحرب وخاصة البنيات التحتية والأهداف التي يتم قصفها يوميا والتي شملت دور عبادة ومستشفيات ومصانع وجامعات ومدارس ومتاحف ومدن كاملة باتت هشيما وتجاوزت ببشاعة قصفها حتى مدن صور درسدن وليبزك وبرلين وستالينغراد ولينينغراد وموسكو ووارشو وبلغراد.
المدن العربية التي تتعرض للقصف بحجة قصف مواقع الإرهاب ستخرج مثخنة بالجراح والخراب الشامل وتحتاج إلى أموال وطاقات بشرية لبنائها في الوقت الذي نزحت من هذه البلدان خيرة النخب العلمية والتكنولوجية إضافة لمن قتلوا في ساحات المعارك التي لا ناقة ولا جمل بها لأبناء الفقراء والمعدمين المتقاتلين في الجبهات المتحاربة داخل المدن العربية أو على أسوارها .

شكرا لك ولمرورك