أحدث المواضيع

إبداع عراقي عند حافة العالم ــ سلام الشماع


أراني المخرج العراقي محمد كاظم ملخصات سلسلة أفلام أعدها إلى قناة الجزيرة الوثائقية تحت عنوان (عند حافة العالم)، وهي أفلام وثائقية عن مناطق في السويد لا يعرف عنها السويديون شيئاً.
إن إبداع محمد كاظم في هذه السلسلة من الأفلام تكمن في أنه ابتكر ما يمكن أن نسميه أفلام الرحلات وهو ما يقابل (أدب الرحلات) في الكتابة، ففي أدب الرحلات عليك أن تتخيل أنت ما يصفه لك الكاتب، في حين أن هذه الأفلام تغنيك عن عناء التخيل فهي تريك ما شاهده الرحالة وتسمع منه معلومات عن المناطق التي رحل إليها..
إنها متعة ما بعدها متعة.
الأفلام التي قيض إليّ مشاهدة ملخصاتها هي أفلام (بطة الجبل) عن مدينة كيرونا السويدية التي توصف بالبطة ويحمل علمها رسم البطة، و(بدو الجليد) عن شعب (سامي) الذي يقطن القارة القطبية الشمالية، والذي يقول محمد كاظم عنهم بأنهم لا يختلفون في بعض تقاليدهم وعاداتهم عن بدو الصحراء، و(زواج سوريالي) الذي يتحدث عن مراسيم زواج في كنيسة مبنية من الثلج في شمال السويد، و(الأنوار السماوية)، عن ظاهرة الشفق القطبي، و(الكنز العملاق)، عن منجم الحديد في كيرونا الذي يغطي حاجة العالم إلى 90% من الحديد، و(شتاء ممتع) الذي يتحدث عن الفعاليات الرياضية في شمال السويد والسباحة في الجليد وصيد الأسماك تحت الجليد والتزحلق وقيادة السيارات فوقه وصيد الحيوانات وقيادة الزلاجات، وأخيراً (الفندق الساحر) الذي يتحدث عن فندق مصنوع بالكامل من الثلج ويستقبل الزبائن لمدة 3 اشهر فقط ثم يذوب بداية نيسان من كل عام ليعاد بناؤه في تشرين الثاني من كل عام.
جميع هذه الأفلام كتب سيناريوهاتها وأخرجها محمد كاظم وهو جهد عظيم بذله هذا المخرج المبدع في شمال الدائرة القطبية الشمالية في أقصى شمال السويد.
إن محمد كاظم في أفلام يعدها حالياً يريد أن يروي قصة عراقيين هاجروا إلى هذه المناطق النائية من العالم فشعروا بالكآبة لاستمرار النهار ستة أشهر والليل ستة أشهر أخرى، وكيف خلصهم قس من الكآبة بتعليمهم صيد الأسماك من تحت الجليد، وقصص أخرى قد تفوق الخيال لكنها واقعية في تلك البقعة من الكرة الأرضية.
أحيي الصديق المثابر محمد كاظم الذي أخبرني أن علاقتنا تمتد إلى سبعينيات القرن الماضي يوم جاءني إلى مجلة (ألف باء) ودعاني إلى بيتهم لإجراء لقاء مع جدته المعمرة التي كان عمرها يبلغ 120 سنة، وهي أكبر معمرة في العراق حينها، وأتذكر أن اللقاء أثار إعجاب القراء واهتمامهم حينها خصوصاً وأن ذاكرة الجدة كانت يقظة بحيث أنها تلت على مسامعي الأغنيات التي رددت يوم عرسها وروت لي الكثير من حكايات العهد العثماني في بيئة فلاحية جنوبية.
وضحكت كثيراً عندما روى لي محمد كاظم أن أهله تخاصموا معه حينها وقالوا له: (كيف تجلب محرر المجلة إلى بيتنا لينشر صورة ابنتنا على العالمين).
وتحية لإبداع محمد كاظم..
شكرا لك ولمرورك