أحدث المواضيع

اوهام مميتة حول السياسة الامريكية ــ صلاح المختار


اللحية لا تصنع الفيلسوف 
                           (ابن رشد)
رغم كل ما كشف عن طبيعة السياسة الامريكية فان هناك من مازال يتوهم بان امريكا تفكر بنفس طريقتنا وتتخذ القرارات وفقا لقواعد منطقنا ! وهنا يكمن احد اسباب كوارثنا التي تتكرر لاننا لا نفهم ما نراه واضحا امامنا وبما يحيط بنا . احد اهم مصادر قوة امريكا واسرائيل الغربية في فلسطين واسرائيل الشرقية في ايران وبريطانيا ودول اخرى هو جهلنا لطريقة تفكير من نخوض معه صراع وجود فحينما نخطأ بفهم طريقة تفكيره نقدم له فشلنا على طبق من ذهب .
فهل يمكننا ان نتحرر ونحرر وطننا الصغير العراق ونساهم بتحرير وطننا العربي الكبير بهذه الطريقة المتخلفة والانتحارية والتي تفضي حتما للاستسلام لما كنا نرفضه بشده ونعده اكبر الكبائر ؟
 ام يجب ان نعيد النظر ونحاول فهم طريقة تفكير الغرب واعداءنا كافة لنعرف اسسها واساليبها ونتخلص من ظاهرة اسقاط وعينا الخاص على غيرنا ؟
 1-امريكا تخطط لربع او نصف قرن وليس لخمسة اعوام فقط وتضع اهدافها وتحددها بدقة مع وضع تفاصيل الخطط والتكتيكات اللازمة للعمل ولا تغيرها الا في حالتين اما تحقيق الاهداف ومن ثم البحث عن ستراتيجية اخرى او الفشل ومن ثم تبديل الاساليب وطرق الوصول لنفس الاهداف وليس التخلي عنها .
2-بعد الحرب العالمية الثانية كانت الستراتيجية الامريكية العالمية تقوم على اعتبار اوربا الغربية هي المنطقة الستراتيجية الاهم في العالم بحكم تصاعد الصراع السوفيتي الامريكي ، لذلك انشأ حلف النيتو من امريكا وغرب اوربا ليكون الذراع العسكري للدفاع عن اوربا ولاختراق اوربا الشرقية . ولم تتغير هذه الستراتيجية الا في سبعينيات القرن الماضي حينما تبنت امريكا ستراتيجية اخرى تعتبر الخليج العربي او (اقليم النفط ) مركز الصراع العالمي الجديد ، وعندها تبنت مبدأ كارتر . فما هو مبدأ كارتر ؟ اعتبر المبدأ ان النفط هو المادة الاهم بالنسبة للامن القومي الامريكي والغربي وبناء عليه فان حدود الامن القومي الامريكي توسعت وشملت الخليج العربي لحماية تدفق النفط الى امريكا وغرب اوربا واليابان واعتبر ذلك المهمة الستراتيجية الاهم ، من هنا فان اي تهديد لتدفق النفط من اي طرف كان دولي او اقليمي يواجه بكافة الطرق بما في ذلك الحرب .
هذا هو جوهر مبدأ كارتر والذي كان الاساس في كل ما جرى ويجري لنا من كوارث نجمت عن تطبيقه خصوصا الاستيلاء على كافة منابع النفط وفي مقدمتها العراقية بعد ان اعتبر هذا المبدأ ان النفط هو السلاح الاقوى في تركيع العالم بدون حرب عسكرية ، وتنصيب خميني في اسرائيل الشرقية وفرضه الحرب على العراق ثم افتعال ازمة الكويت وشن العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991 وفرض الحصار عليه ثم غزوه عبارة عن خطوات متعاقبة ومترابطة في اطار تلك الستراتيجية.
3-بعد تدمير العراق جاءت الخطوات التالية وهي اشعال الحرب في سوريا واليمن وليبيا والحاق دمار هائل فيها وبدأ عمليات مشابهة في دول الخليج العربي والسودان والمغرب العربي ومصر فكانت النتيجة الاخطر حتى الان هي فقدان العرب قدرتهم على المواجهة مع اسرائيل الغربية خصوصا بعد ان وكلت اسرائيل الشرقية للقيام بدور مستنزف ومدمر قوة العرب بالاصاله عن نفسها ونيابة عن امريكا واسرائيل الغربية ، فحصل التحول الجديد في السياسية الامريكية بانتقال التركيز الستراتيجي من منطقة الخليج العربي الى الصين ومقترباتها ، وبناء عليه فقدت السعودية ودول الخليج العربي قيمتها بالنسبة لامريكا واطلقت يد اسرائيل الشرقية لتعبث بامنها الوطني وبمستقبلها.
اذا اكتفينا بهذه الامثلة نرى ان امريكا لاتغير سياستها مزاجيا او طبقا لما يريده رئيس امريكي بل هي متواصلة حتى تحقيق اهدافها ، ودور الرؤوساء هو تنفيذ جزء من اهدافها وترك البقية للرئيس القادم من منطلق ان الرئيس الامريكي ليس واضع الستراتيجية بل منفذها وان الذي يضع الستراتيجية هي المراكز المتخصصة التابعة لمن يمسك بقوة المال ويتم تبنيها والعمل بموجبها ، مع ملاحظة ان الستراتيجية ليست واحدة بل توضع ستراتيجيات بديلة جاهزة للتطبيق اذا فشلت الستراتيجية الاولى مع الاحتفاظ بنفس الاهداف .
وهذه الحالة نراها كذلك في اسرائيل الغربية والتي وضع اليهود خطة عمرها اكثر من الفي عام لاقامتها في فلسطين ولم يتغير الهدف بل تغيرت الوسائل حتى تحقق الهدف في عام 1948 ، وكذلك اسرائيل الشرقية التي وضعت خطة منذ 1400 عام بعد نجاح العرب في تدمير امبراطورية فارس وفرض الاسلام على الفرس بحد السيف هدفها تدمير ملك العرب ولم تتغير اهداف الخطة وان تغيرت اساليبها وما نراه الان هو تطبيق حرفي لخطة النخب الفارسية تلك .
اذن نحن امام قوى معادية لنا تخطط لربع قرن على الاقل ولا تغير هدفها مهما حصل الا بتحقيقه او هزيمتها كليا وعندها تضع خططا بديلة وتنتظر عقودا وربما قرونا لاجل تحقيق نفس الاهداف ، وواقعنا العربي يؤكد ان القوى الثلاث (الغرب الاستعماري والاسرائيليتين ) تمسكت باهدافها ولم تغيرها ابدا والذي يتغير كان اساليب العمل لتحقيقها .
 اما نحن العرب فاننا نتصرف وفقا لتقاليدنا القبلية فتنشب حرب بيننا ونتصالح في جلسة صلح عشائرية وندفع الدية ونقوم بعقد زواجات بين القبيلتين وتنتهي الحرب وتصبح العلاقات علاقات محبة ونسب ! او اننا نجد انفسنا في حالة حرب مع طرف اجنبي لكننا ونحن نلاحظ اثناء هدنة قد تطول عقودا نعومته معنا فنتصور انه مثلنا نسى الماضي فنتصرف معه على انه برئ من الاحقاد او الثأرات ونقع في شر اعمالنا ، وهذا ما نلاحطه الان في علاقاتنا مع الفرس والصهاينة والامريكيين الذين يعتبروننا سذجا ولا نفهم الحياة الا من منظورنا فقط ونتجاهل منظور الاخرين المختلف جدا عن منظورنا وطريقتنا في التفكير .
كيف نتخلص من سرطان اسقاط طريقتنا في التفكير على اطراف لا تفكر مثلنا بل تعتمد على طريقة مناقضة كليا لطريقتنا في التفكير ؟
1-علينا قبل كل شيء ان نعرف كيفية تفكير اعداءنا واصدقائنا ايضا وكما هي وليس كما نتصورها نحن معتمدين على تجارب الماضي المؤلم ، وان نحدد اساليبهم بدقة كي لانقع في فخاخ الاوهام القاتلة .
2-علينا ان نتسلح بموقف ستراتيجي ثابت لايتغير بتغير الظروف وتبقى اهدافه ثابتة فحقوقنا يجب ان تكون دائما واضحة ولا تتلاعب بها الاهواء او الاوهام او الامزجة او تتحكم فيها طرق حل المشاكل القبلية ، فما لم نفكر بطريقة العدو لن ننتصر عليه .
3-علينا ان نتسلح بكافة الاسلحة المادية والمعنوية ونعد انفسنا للحرب كأنها ستقع اليوم مثلما نعد انفسنا للسلم كانه سيقوم غدا ، وان نضع خطا ناريا حارقا فاصلا بين الاثنين فلا نتجاوزه الا بعد تحقيق الهدف مهما تغيرت البيئة والتوازنات ، وان نضع في حسابنا ان ضعفنا اليوم ليس مبررا للتنازل ونسيان الحقوق كما فعلنا في قضية فلسطين بل ان نؤجل تحقيق الهدف لمرحلة اخرى ولجيل اخر ، فاليوم نحن ضعفاء واعداءنا اقوياء ولكن الغد مختلف حتما خصوصا اذا خططنا للمستقبل علميا وبعيدا عن العواطف والاحلام ، وهذا بالضبط ما فعله كل خصومنا واعدائنا الذين انتظر بعضهم الاف السنين متمسكنا حتى تمكن فتفرعن .
هل فعلنا ذلك ؟ اغلبنا لم يفعل ولهذا نرى اننا لا نكاد نخرج من كارثة الا ونجد انفسنا بمواجهة كوارث ومن بين اخطر اخطاءنا ما يلي :
1-افتراض ان العدو قد تغير وتخلى عن اهدافه الاصلية استنادا لتغيير الاساليب الحالية دون الانتباه الى انه ما غير اساليبه الا لفشلها ، فمثلا اضطرت امريكا لتغيير اسلوبها وليس موقفها – وارجو الانتباه للفرق بين الاسلوب والموقف – تجاه خطتها الستراتيجية التي اطلقت عليها تسمية كاملة المعنى والايحاءات وهي (اجتثاث البعث ) والتي تعني ليس فقط القضاء كليا على البعث بل الاهم القضاء على القومية العربية وتدمير الكيان الوطني العراقي ، وهذا ما نراه ورأيناه خلال 13 عاما من الاحتلال .
ولهذا نرى الان ملايين العراقيين تعرضوا للاجتثاث من وظائفهم ومن مدنهم وقراهم ومن وطنهم ومن عوائلهم وشردوا داخل وخارج العراق وقتل منهم الملايين وتعرض ويتعرض الملايين الى اضطهاد متطرف دون ان يكون اغلبهم بعثيين حقا .
الفشل الامريكي في القضاء على البعث رغم كل ما ارتكب ضده من جرائم بشعة اجبر امريكا على تغيير اسلوبها فغيرت الاسم وصار (المساءلة والعدالة) واخذت تحاور البعث مباشرة او بالواسطة ولكنها ولخبثها اخذت بنفس الوقت تبحث عن كل من تساقط منه لاستخدامه ضد البعث فاخترعت مخابرات امريكا مصطلحات مثل ( تيارات البعث ) او (اجنحة البعث ) لاجل تحقيق الشرذمة في صفوفه واشراك من تساقط في عملية سياسية جديدة لكنها تخدم الهدف الاصلي للاحتلال ، واقناع اكبر عدد ممكن من الناس بان البعث لم يعد واحدا وتحول الى تنظيمات متناحرة وهذا واحدا من اهم اهداف خطة الاجتثاث .
2-تدعم امريكا افراد او كتل صغيرة جدا ولا تأثير ملموس لها وتزودهم بالمال وتبرزهم في الاعلام من اجل ان ينجحوا في كسب بعض الذين لا يفهمون اللعبة الامريكية ويتحولوا الى منافسين للقوى الكبرى الفاعلة في العراق ، وطبيعي ان امريكا لا تريد ولا تتوقع من هؤلاء الافراد او الكتل النجاح بل كل ما تريده هو اسهامهم في حرمان القوى الوطنية من بعض الناس الذين يخدعون بهم وزيادة غموض المواقف وارباك بعض من لديه رغبة في الوصول لحل لازمة العراق ، وهذه النتيجة ان تحققت تساهم في زيادة الضغط على القوى الكبرى من اجل ان تتنازل او تعقد مساومات نتيجة التضليل او التشرذم الشعبي .
ان ما فعلته امريكا بعد غزو العراق يقدم لنا دليلا عمليا على صحة ما ذكرناه فقد وزعت امريكا مليارات الدولارات – وكذلك اسرائيل الشرقية - على افراد عاديين لا تأثير لهم وطلبت منهم تأسيس احزاب وفتح مقرات لها او انشاء قناة تلفزيونية او صحيفة او انشاء وتسليح ميليشيات وتواصل الدعم من اجل احداث اكبر ارباك ممكن في وعي الناس ورؤيتهم لما يجري ، وتحقيق استقطاب لبعض الناس حول هذه الكتل وابعادها على القوى الكبرى وتثبيت افكار اغلبها خاطئة وكل هذا يساعد على زرع اليأس والتشرذم وهو ما يساهم في اضعاف المشروع الوطني التحرري الحقيقي الذي تبنته المقاومة والبعث .
في ضوء ما تقدم علينا ان نفسر اسباب تعدد المشاريع والمؤتمرات في العراق والوطن العربي وتنوع الاصوات وتعدد الكتل الصغيرة ودعم افراد بالمال والاعلام فالهدف منها هو ان يصل صوتهم ومشاريعهم للناس وللنخب الوطنية المستقلة وجرها الى التعاون مع هذه المشاريع العبثية والعابثة في عملية تضليل مرسومة مسبقا لا نتيجة لها سوى تعميق اليأس وازدياد التشرذم ! ولهذا فمن الضروري ان نتذكر بان من يبرز الان سيطويه النسيان غدا لان دوره في زرع الارتباك والغموض قد تم ولم تعد له قيمة ثم ستجد امريكا وغيرها انفار اخرين لدعمهم وفقا لنفس التكتيك . هل تتذكرون كم ثري برز فجأة ودعم بمال من جهة ما ووزعه بسخاء من لم يتعب في الحصول عليه ؟
احدى المشكلات الاساسية التي خلقها الاحتلال بحكم ضراوة اساليبه هي ان الكثيرين لم يعودوا يتساءلون عن مصادر المال لدى من كان معدما اوفقيرا لكنه فجأة امتلك الملايين بل المليارات واختفى مفهوم العيب والعار ، مع اننا كنا قبل الغزو نحاسب الفرد على زيادة خمسة دنانير على راتبه ! هنا نتذكر لم تعمدت امريكا تهديم منظومة القيم. تذكروا ما قاله ابن رشد الذي اقتبسناه في المقدمة (اللحية لا تصنع الفيلسوف) ونضيف : والمال الملوث بدم ملايين العراقيين لا يصنع زعيما شريفا ووطنيا .
 Almukhtar44@gmail.com
 26-5-2016
شكرا لك ولمرورك