أحدث المواضيع

الحج في عصر العولمة



من السَلَفي والسَلَفية إلى السيلفي والسيلفية
د. عبد الكاظم العبودي

قبل حلول أيام موسم الحج يصل الحجاج تباعا إلى المشاعر المقدسة ، وقبل أيام عرفة والطواف حول البيت العتيق وأيام التشريق يمارس بعض الحجاج والحاجات ايام التشويق في البث المباشر لصورهم السيلفي، وكأنهم في رحلة سياحة وليست رحلة عبادة.
وقد نتفهم أن يحرص الحاج والحاجة أن يسجل ذكريات أيام الحج بعدد من الصور، كما كان يفعلها آبائنا وأجدادنا بأخذ صورة أو أكثر في مكة المكرمة، وحسب الإمكانيات المالية لهم آنذاك؛ إلا أن توفر الهواتف الذكية والكاميرات الرقمية وحواملها الميسرة للتصوير الذاتي دفعت بعض الحجاج إلى اللهو المفرط بها بدل العبادة ، لاهين بمشاغل التصوير وبثه وإرساله إلى صفحات الفيسبوك .
هذه الظاهرة بات مشكلة، وحسب صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية، فإن رجال الدين المسلمين يشعرون بالغضب إزاء انتشار استخدام الهواتف الذكية بين الحجاج ، وخاصة، الشباب لالتقاط صور لأنفسهم أثناء تقبيل الحجر الأسود في المسجد الحرام أو أخذ صور «سيلفي » مع وجود الأماكن المقدسة الأخرى كخلفية لصورهم.
كما نشر موقع «BuzzFeed» الأمريكي صورا لعشرات الحجاج الشباب، من جنسيات مختلفة، وهم يلتقطون صور «سلفي» مع الكعبة، مما أثار استياء عدد من العلماء والحجاج الآخرين الذين يدينون الأمر بوصفه «سلوكا سياحيا». وتتنوع وسائط الإرسال لكل "حاج سيلفي" وكل "حاجة سيلفية" إلى مواقع التواصل الاجتماعي بنشر ونقل ما كل يلتقطونه من صور السيلفي ثم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر وإنستجرام ، وهو ما يراه الكثيرون إنها باتت ملهاة تخرج أيام الحج عن هدفها وقدسيتها وجدية الإيمان والعبادة في فرصة نادرة لكل حاج ، ويرى مراقبون إن ذلك يدمر روح التواضع والتفاني المتوقعة عند الحجاج خلال طقوس الحج التي تتطلب زهد الحاج عن متاع الدنيا والتأمل بعمل الخير والعبادة رصيدا له في الآخرة.
لقد بات من الصعب أن تطبق السلطات السعودية قرار حظر استخدام الهواتف الذكية المحمولة، التي باتت تطبيقاتها التقنية مفيدة للحجاج، بما وفرته تقنيات تحديد مكان الحاج وتضمين ملفات التعريف به وملفه الصحي ووثائقه ، والتساهل في استعمال الهواتف كان بهدف توفير وسيلة لمساعدة الحجاج حال وقوع أزمة، ولكن الأمر تحول إلى مدعاة للتفاخر والرياء، وربما يفسد طقوس الحج أيضا.
تتهاطل على صفحاتنا صور الحجاج والحاجات الذين وصلوا مبكرين إلى الديار المقدسة وكأننا نعيش طقوس بث تلفزي مستمر على المباشر لكل خطوة ومكان ولحظة لمثل هؤلاء الحجاج والحاجات "السيلفيين" ، ولا أظن إن هذا البث الصوري والفيلمي المستمر سيتوقف حتى في ذروة أيام الحج القادمة عند الركن الأعظم للحج على صعيد عرفة، وعند رمي الجمرات في مشعر منى قرب مكة المكرمة، مليارات الصور ستؤخذ بمشاركة نحو مليوني حاج في أكبر تجمع سنوي للمسلمين، وهناك من الحجاج والحاجات حريصون، على التقاط الصورة قبل الانغماس بطقوس العبادة.
تقول إحدى الحاجات "السيلفيات" : "نلتقط أنا وابنتي صور سيلفي لنرسلها إلى أفراد عائلتنا في باريس".
يزداد عدد المعارضين للمبالغة في تعظيم شعائر الحج والتفاخر بها من خلال صور السيلفي وبهذه الكثرة والتكرار على صفحات حجاج سيلفي. 
هناك من الحجاج المحافظين الذين لم يترددوا في استخدام موقع تويتر للتعبير عن رفضهم واستنكارهم أيضا.
ويعلق أحد الحجاج قائلا، "حين أدى والدي مناسك العمرة في أواسط التسعينيات، كاد أن يخسر الكاميرا التي في حوزته، بحجة أن استخدامها حرام، أما اليوم فالجميع يلتقطون السيلفي، في أي عالم نحن؟".
ويقول آخر، إن "الحج هو تجاوز للذات والسيلفي لا تقدم ولا تؤخر".
يقول أحد أساتذة الشريعة ونحن نتفق معه، بأنه لم يجد "أي مشكلة في ذلك إذا كانت الغاية من الصور الاستخدام الشخصي وليس النشر على نطاق واسع"، حسبما ذكرت وكالة أنباء "فرانس برس" .
لكن أستاذ الشريعة هذا تدارك موقفه قائلا، إن التقاط الصور "لا يجوز إذا كان الهدف منها الاعتداد بالنفس، وخصوصا إذا التقطت خلال أداء مراسم الحج". موضحا، "لذا، الأفضل أن يتجنب المسلمون هذه الظاهرة".
شكرا لك ولمرورك