أحدث المواضيع

رجولة عبر الاثير ــ نوادس بغداد


"إننا لانعول على الحزبيه كثيراً في غياب الوطنيه"
هكذا قالها لي بصوتهِ المنتفض المعتاد وروحهِ البغداديه الاصيله عبر الهاتف.
فهو الوسيله الوحيده التي التقي عبرها بهِ منذ تعارفنا عبر العالم الافتراضي المسمى(فيس بوك).

ومنه(اي الفيس بوك) بدأت قصتي معه.
أنا سيده بسيطه الميول اقود حياة بسيطه كذلك ، كل همي هو رعاية العائله والاهتمام بكل ماهو معنيٌ بشؤون الاسره .ولقد تغير كل هذا حينما شاءت الاقدار ان اتعرف عليه..
ذلك الرجل الكرخي الاصول .ومثلما قلت كان ذلك عبر وسيلة الانترنت الفيس بوك.
كان قد بعث طلب اضافه الى صفحتي وقبلتها على الفور ،رغم اني متحفظه جدا في هذه الامور، ولكن شيئاً ما اجهله دعاني لقبول دعوته منذ اكثر من سنتين.
كان رجلاً حسن الخلق، مثقف،ويحمل الكثير من الوعي والوطنيه.تفحصت ذلك من خلال احاديثي المتقطعه معه..
لم اعلم عنه الكثير ولست اعلم الآن..فهو شخص متحفظ للغايه وربما يعود ذلك لما مر به من مآسيٍ اجبرته على الهجره والاغتراب بطرق غير شرعيه بسبب خلفيته الوطنيه ونشاطاته التي كان يزاولها ابان الاحتلال الامريكي،مما إضطره للهروب او الهجره لست اعلم تحديداً.
ولكنه كان شديد الامل بشكل يثير الاعجاب والحيره بنفس الوقت، بأن الحياة ستتحسن في موطنه الام العراق وبأن الخير قادم لامحاله(الخير جاي).هكذا كان يردد دائما.
واقول بشكل يثير الحيره..
فكيف لرجلٍ فقد الكثير في وطنه وتعرض للكثير مما أجبره على الخروج وترك عائلته واهله وكل مايملك ليصبح اشبه بمشرد في بقعه غريبه من العالم ان يكون بهذا الامل وتلك القوه، حينما انهار كل شيء وضاعت وتبخرت جميع عوالمنا البهيجه التي دمرتها اقدام المحتل ودباباته حينما وطئت ارضنا الآمنه..
في البدايه قلت في نفسي إنه حالم أو ربما يعيش في سرابات الماضي فلايستفيق الا عليها.
ولكنه لم يكن كذلك مطلقاً..
كان حالماً ولكن بخطى مدروسه وثابته على الارض تماما كثبات عماتنا النخلات في ارضِ السواد البهيه..
ولكن كان يعيش المستقبل بدروس الماضي وعبرهِ القيمه يستلهم منه اذكى واجمل الحكم والمهارات.
وبمرور فتره من الزمن على تعارفنا تبينت إنه لم يترك عمله النضالي حتى وهو في اقصى بقاع الارض غربةً..وبأنه يحاول بأي طريقه ممكنه ويقدر عليها ان يساهم في لملمةِ جراح وطنه ويسرع في تحريرهِ ونجاته..
لقد كان همه الاول هو انقاذ شريحة الشبيبه من المراهقين والشباب اليافع وانتشالهم من ضياعات الغربة ومخاوف الاندماج بطباعٍ لاتشبه طباع بلدهم او مواريثها او تقالديها الساميه.ولقد كان يحاول جاهداً وبقلب يعلوه الامل والتفاؤل الذي لايحده حدود ان يغرس فيهم حب الوطن كجذوةٍ يحملونها في ارواحهم الفتيه لتنقذهم من ضياع الغربه والانسلاخ في رحم الثقافات الاخرى التي ليسوا منها.
ولكونه رجل ذو عينٍ حريفه متفحصه ، فلقد تحسس ان لدي بعض ماقد يفيده في مسيرتهِ النبيله تلك.فعرض علي ان اساعده وهنا كانت صدمتي!!
فمالذي قد تمتلكه إمرأه مثلي لاتعرف سوى امور البيت والعائله لتقدمه ؟ وضمن مايفعله هذا الرجل في مسيرتهِ هذهِ؟
ليتأتيني جوابه الرجولي العميق بعمقِ ارضنا وتاريخها المجيد فيقول:
لديكِ الروح وتلك تكفي يااختاه لتكون منطلقاً لفضاءات تعبر حدود الزمان والمكان وتتحد مع مثيلاتها لتوقد شرارة الانتصار والتحرير..
كلام كبير لست قادرة على فهمه او إستيعابه ، ولكنه وبنفس روحهِ الوثابة التي لم تفارقه يوماً جعلني استوعب كل شيء.
لأتعلم أن حدود الوطن لاتحدها خرائط الاغتراب ولاتمسها زنازين التعذيب.هي في داخل القلب لايمسها شيء فالروح الوثابة حارسة لها.
ولأتعلم بأن ماقد نخلفهُ ورائنا لن يرحل ولن يموت بل يبقى حياً نحمله انى ارتحلنا فقط حينما يكون لنا روح حره.
ولأتعلم أن انتمائي لحزبٍ ما لن يكون على حساب الوطن،فأين كان حزبك ليكن ولكن الوطن اهم منه بكثير، وهو كذلك فقط حينما امتلك ضميراً حراً..
لقد علمني الكثير هذا الرجل الذي لااعلم عنه الكثير سوى ضحكته العاليه وصوته البغدادي الحنون وكلماته اللاذعه القويه وروحه الوثابه التي كلما حضر صوته ضج بأثيريته المكان.
كن بخير دوماً ايها الاخ المجاهد في الكلمه
وعسى ان يفضي الله الى لقاء كي افي بوعدي لك أن حينما تحل ساعه النصر نجتمع على وليمةٍ كنت قد اشتهرت بها ..
وليس على الله ببعيد...
شكرا لك ولمرورك