الدكتور خضير المرشدي
من يتصفح تاريخ البعث مستعرضاً ظروف النشأة وصياغة الفكرة والانطلاقة وتحديد الاهداف ، يجد نفسه أمام مساحة واسعة من الثقافة والفكر تمتد بمعانيها الى بداية انطلاق رسالة العرب وظروف نشأتها في الجزيرة العربية كثورة شاملة ضد الآلام التي كانت تعاني منها الأمة أو الأقوام المتعايشة معها آنذاك ، وسيجد البعثي بالذات نفسه أمام مهمة تاريخية كبيرة عندما يعي الدور الذي ينتظره ، وسيكتشف بهذه المطالعة حجم التحدي الذي يواجهه بسبب إنتماءه للعروبة نسباً وحسباً كونه إنسان ولد عربياً من جهة ، وآمن إن القومية العربية بالنسبة له حب قبل شيء وهي قدره المحبب الذي يعبر به عن وجوده وهويته وعقيدته وفكره ومبادئه واهدافه من جهة ثانية .
والحديث هنا عن القومية العربية التي خلقها الاسلام خلقاً جديداً ، رسخ فيها فضيلة الايمان ، بعث فيها الروح ، جسّد فيها عقيدة التوحيد ، وحّد نظرتها للسماء والخلق والحياة والإنسان ،أعطاها بعدها الانساني بعد أن كانت منغلقة منكفئة متعصبة ، غذّاها بقيم المحبة والحريّة والتسامح والعدل والانصاف ، وأمدّها بعناصر البطولة ومقومات الأقدام والثورة على كل ما هو فاسد وشاذ ومنحرف ، مما طبع الرسالة منذ نشأتها الاولى بطابع الثورة المقدامة المتوثبة دوماً الى امام وكانت على موعد مع البطولة التي حققت الفتوحات وشادت الحضارة وسادت العالم .
كانت هذه الثورة منذ لحظتها الاولى محط إستهداف وتشويه وتزوير وإستئصال ، فبعد وفاة قائدها الاول محمد صلى الله عليه وَسَلَّم ، حصلت الردة وما رافقها من تحد خطير يهدد مستقبل الثورة ورسالتها ، لولا التصدي الحاسم من قبل الصحابة الكرام ، مرورا بفترات تلتها ومارافقها من مؤامرات داخلية وخارجية أودت بحضارة العرب والمسلمين ودولهم الراشدية والأموية والعباسية والأندلس وانتهاءاً بما تتعرض له دولهم الوطنية الان من مآسٍ والام ، والتي تأسست بعد انفراط عقد الامبراطورية العثمانية .
من يقف متأملاً التاريخ يجد أن العامل الأساسي في سقوط الحضارة العربية والاسلامية أي بمعني إنهيار الأسس المادية لهذه الحضارة ومحاولة إسئصالها وتشويهها هو حلف قديم - جديد بعناصره واهدافه ( صليبي - صهيوني - فارسي ) قديم ، دون إهمال العوامل الداخلية التي غالباً ماتهييء لهذا الحلف ظروف النجاح والظفر ومن بين أهمها ( الظلم والفساد ) ، حتى بلغت قوة الهجمة الكونية العالمية أشدّها على الامة بإحتلال العراق وإجتثاث العروبة وحظر كل من يرفع لواءها وينتمي اليها ويعبر عن حقيقتها الانسانية ومنهجها الثوري الأصيل ، وعلينا أن لانغفل بأن الهجمة قد بدأت بإحتلال فلسطين ومن قبلها الاحواز وأجزاء أخرى من أرض العرب في المغرب والمشرق تحت شعارات الحق التاريخي وحرية الشعوب والخيار الديمقراطي وحقوق الانسان وحق تقرير المصير وغيرها من شعارات وإدعاءات التحرير التي دائماً مايلجأ اليها المحتلون لتبرير إحتلالهم ، ويرفعها الطامعون لتغطية طمعهم !!!
إن الشعور بالخوف من خطر ما ، يجعل الانسان متحفزا لمواجهته دائماً ويعد العدة للتصدي له وإنهائه وإستئصاله ، أو في لحظة وقوعه ...
ولعل هذا الامر لايقتصر على الأفراد فقط ، بل إنه يتعلق بالأمم والشعوب عندما تستشعر خطراً ما تعتقد بإنه يهدد وجودها أو يَحدَّ من طموحاتها في التوسع والاحتلال والهيمنة والاستعمار أو ينافسها في قيادة دفة الحياة ، أو يقلص من مصالحها غير المشروعة في الاستغلال والابتزاز ، فإنها تلجأ بدافع هذا الخوف الى إستهداف هذا الخطر التي تعتقد إنه خطر !!!
وتعد العدة دائماً لمواجهته وإسقاط مشاريعه !!!
ولكي نبقى في حدود هذا المقال ، فإن الخطر الذي يستشعره الحلف القديم - الحديث هو خطر الاسلام ... وخوفهم من هذا الخطر !!!
لكن السؤال المهم ، أي نوع من الإسلام يخافه هذا التحالف الصهيوني العالمي ، والفارسي الصفوي ، وما يرتبط بهما من دول واحزاب وجماعات وأفراد ؟؟
بل إن الأصح من أي الممارسات تحت عنوان الاسلام يخاف هذا التحالف ؟؟ وهذا مانقصده أينما وردت كلمة الاسلام في هذا المقال .
من المؤكد إنهم لايخافون ( الاسلام ) الذي شوّهوا صورته وبشّعوا في جسمه ، وزوّروا قيمه وخلقوا أنواعاً عديدة منه تتلائم مع طموحاتهم وأحلامهم التوسعية وتحقق مصالحهم في الهيمنة والاحتلال والتسلط والاستغلال والابتزاز ، الأنواع التي صنّفها مفكرون عديدون ووصفوها بالإسلام الذي صنع بريطانيا ، أو صنع في أمريكا ، أو الاسلام الصفوي ، أو التكفيري المتطرف ، أو إسلام المظاهر والبدع والدروشة والخرافات وتفاهة القول وتحريم العمل ومنع الابداع !!!
إنهم لايخشون الاسلام الذي روّجت له ( كونداليزا رايس ) ونظّر له تيارها ( المسيحي المتصهين ) ، ولا ذلك الذي دعمته وسهلته الآلة الاستخبارية العالمية تحت مايسمى بالجهاد العالمي ، ولا يعادون ( الاسلام ) الذي يبشر به الولي الفقيه الصفوي القابع في قم وطهران ، إنهم يصادقون الاسلام الذي تصدر باسمه فتاوى الباطل والخنوع والتعاون مع المحتل والتفريط بالحقوق ، وزواج المتعة وبدع التطبير واللطم والزحف في المياه الآسنة أو المشي على النار !!!
ولن يخافوا أو يخشوا إسلام التكفير والتطرف والارهاب والمسيار وكي الجباه وتقصير الثياب وإطلاق اللحى الكثّة واستخدام السيوف لقطع الرؤوس والايدي والتي يقف وراءها شيوخ كانوا سبباً في الفتنة والضلالة والتعصب !!!
خلاصة القول إنهم لايخشون ممارسات مشوهة غريبة لايقبلها عقل أو منطق سليم ، تُمارس بإسم الاسلام وأرادوها بديلاً عن قيم الاسلام الحق الاصيلة التي حمل لواءها رسول الرحمة الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم ، وصحبه وآل بيته الاطهار ... الاسلام الذي كانت حاضنته أرض العروبة بعد أن ملأها بالايمان ومنحها سر الارتباط الأزلي بالسماء ، وكانت العروبة أداته ولغته وساحة انطلاقته ولسان قائده وعنوانه الأكبر بل إنها جسده الطاهر الحي ، بها قاتل وبها أنتصر وبها بنيت الحضارة ... حتى أصبح القول الحق أن يكون لا إنفصام بين الاسلام الأصيل والقومية العربية المؤمنة ، هو روحها وهي جسده ، فعندما تقول العروبة تعني الاسلام ، وعندما تقول الاسلام فإنك تتحدث عن قومية عربية مؤمنة إنسانية رحومة ثورية مقدامة ... وهي ذاتها التي إعتنقها ( البعث العربي ) ، إستلهم قيمها ، وآمن بفكرها وعقيدتها، ووضع على هديها رسالته الخالدة وحدد اهدافه ومنهجه ، فكان له شرف الانتماء اليها ، حاملاً رايتها من جديد وكانت سراً من أسرار ديمومته وثباته رغم هول الهجمة وحجم المؤامرة وعمق الاستهداف وخطورة الاحداث .
إذن هذا هو الذي تخافه الصهيونية العالمية والفارسية الصفوية ومن يرتبط بهما وينفذ مشروعهما من الدول والجماعات ... إنهم يخافون روح الاسلام الأصيلة ، ويخافون الجسد الذي إحتضن هذه الروح ، جسد العروبة الحي ، ويرتعدون خوفاً من العقول التي آمنت بهذه الروح والسواعد التي قاتلت من أجل إنتصارها ، إنهم يخافون الاسلام الذي أعاد خلق القومية العربية من جديد كما قلنا وأمدّها بالروح والإيمان ومنحها القوة المادية والمعنوية ، وأعطاها بعدها الانساني الرحب ، وحررها من العبودية والتبعية والقبلية والعصبية والعنصرية والطائفية والمناطقية ، وصفّاها من الخرافات والشعوذة والبدع وعبادة الأوثان والأشخاص والنار والطبيعة .
نعم إنهم يخشون القومية العربية الانسانية المؤمنة الثائرة المتمردة على الباطل ، ويخافون العقيدة التي لم تعد تقتصر على العبادات لمجرد انها عبادة ، ولم تكترث لممارسة الطقوس أو الشعائر لانها واجبة فقط ، بل لانها تعبر عن إيمان بالله عميق وبالحق وثيق ، وعن معاناة شاقة حققت هذا الايمان ، وهذا التمسك بالحق .
من هنا نستطيع الوقوف على سر الحملة الكونية في معاداة البعث وإجتثاثه وحظره ومحاولة إستئصاله وقتله ، فكراً وعقيدة ورسالة وحملة راية ورجال مؤمنين به ومؤيدين له من الوطنيين في الامة واحرار العالم ، ويفسر سبب الخوف من إنتشار عقيدته القومية الاشتراكية العروبية المؤمنة وفكره الوطني الانساني الخلّاق ، كونه الباعث لتلك القيم والحامل لرسالتها الخالدة .
إذن علينا أن ندرك حجم المواجهة مع القوى التي تخاف البعث وتستهدف العروبة وقيمها والمؤمنين بها،،، لقد جاء اليوم الذي وجد فيه البعثيون بشكل خاص والعروبيون الصادقون بشكل عام أنفسهم بأنهم المدافعون الوحيدون عن الاسلام الأصيل وقيمه ومبادئه والمستعدون للقتال دونها ، لإنها تعني لهم الدفاع عن عروبتهم وأمتهم وشرفهم ودينهم ومستقبلهم ، لقد أصبح واقعاً حياً نعيشه ، وطريقاً وعراً لابد أن نسلكه لإنه الضمانة الوحيدة لكي يبقى لأمتنا العربية سبب وجيه للبقاء ...
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء