صلاح المختار
ايضا حان قبل البدء : الايضاح الاول هو ان التاريخ عموما وتاريخ العرب خصوصا الذي ندرسه ونعرفه مزور ولا يطابق ما حصل في العالم منذ الاف السنين ومن زوره هو الغرب الاستعماري كي يتطابق التاريخ مع خططه الاستعمارية اللصوصية لذلك فمن الضروري ترك معلومات التاريخ الرسمية ولو مؤقتا عند قراءة هذا التحليل للوصول الى الحقائق المخفية عمدا ، والايضاح الثاني هو ان الجينوم هو المجال الذي يبحث في الجينات واصول البشر وتطورهم وهو مجال علمي ولكن هل بقي العلم بعيدا عن التزوير الغربي؟ الجواب كلا فقد حصلت البشرية المعذبة على الكثير من الوثائق والادلة التي تثبت بان الاوربي الاستعماري ،خصوصا البريطاني والفرنسي وفرعه المشوه الامريكي، قد زور طريقة عرض المكتشفات والمخترعات العلمية وكيفية وضع اسماء وتعريفات لها عمدا وبطريقة مناقضة للحقائق الموضوعية ، وستجدون الادلة هنا . السؤال الرئيس هنا هو : كيف زورت الصهيونية والغرب الاستعماري تاريخنا وتاريخ العالم وتستخدم الجينوم الان لمواصلة تزوير التاريخ البشري عامة وتاريخ العرب خاصة ولماذا ؟
قبل فترة قصيرة ظهر تقرير بريطاني ورد فيه ما يلي: أظهرت أول خريطة بشرية، نشرها موقع "ناشيونال جيوغرافيك"، أن دولاً عربية عدة، ينحدر سكانها من أصول غير عربية وابرزها مصر حيث يقول التقرير ان العرب في مصر لايتجاوز عددهم جينيا اكثر من 17% بينما 68% من المصريين تعود أصولهم إلى شمال إفريقيا ، في حين أن أصول 56% من الإيرانيين ليست فارسية بل عربية .الأبرز في خريطة التاريخ البشري كان إيران، التي تروج لنفسها على أنها "الأمة الفارسية"، حيث أشارت تحليلات الـ"دي إن إيه" إلى أن 56% من الإيرانيين من أصول عربية، وأن 24% منهم تعود أصولهم إلى جنوب آسيا، بينما باقي الإيرانيين هم أقليات من أصول وأعراق ومنابت مختلفة.
في هذه الفقرة نجد ضربتان : ضربة قاتلة للعرب وهي انكار عروبة مصر لانها ثلث الامة عدديا وجزءها الحيوي الجاذب لبقية الاقطار ، فاخراجها من نطاق الهوية العربية تجريد للعرب من الثقل الرئيس لهم ، وهذا التقرير يأتي تتويجا متوقعا لمسلسل طويل من التأمر المتواصل على وحدة مصر وتقدمها وهويتها العربية والاعداد لانكار عروبتها ، والخطورة في هذا التقرير انه طرح بصفته (وثيقة علمية ) تستطيع تضليل الناس بالاعتقاد ان الجينات لاتكذب وهذا صحيح ولكن الذي يكذب هو من استخدم المعلومات الجينية بكيفية عرضها وتقديمها وتسمية الاشياء المتعلقة بها وهنا نرى اللعبة والحيلة ، مع تأكيدنا بان المعلومات الجينية المكتشفة لم تنقض عروبة مصر ابدا كما سنرى وانما مورست حيلة شكلية لامرار ما قد يبدو حقيقة علمية مجردة من الغرض السياسي والعقائدي لكنه في الواقع عمل عقائدي وستراتيجي وسياسي بكل ما تعنيه هذه المصطلحات من معان ، وهنا نرى دور الحيل وهو خلط الاوراق خصوصا الخلط بين الشيء واسمه حيث ان الشيء ثابت ولكن اسمه متغير وغائي ومن اختيار المتحيز والمعادي للعرب والذي يخفي اهدافا تخدمها هذه التسميات .
جاء التقرير اذا ليدعم ويكمل كل الخطوات التخريبية المنجزة منذ عام 1956 ضد مصر وتاريخها وهويتها ، ولكي يبدو التقرير متوازنا وجه ضربة للفرس ايضا بانكار فارسية اسرائيل الشرقية – ايران - وتأكيد ان 56% من سكانها جيناتهم عربية وان الفرس في الحقيقة ليسوا اكثر من فتات السكان فيها ، ولئن كانت الضربة الموجهة للعرب قاتلة لمحاولتها اخراج مصر من نطاق العروبة فان الضربة التي وجهت للفرس ينطبق عليها المثل القائل ( ضرب الحبيب مثل اكل الزبيب ) لانها ضربة افتراضية كما في الانترنيت لا اثر فعلي وواقعي لها ، وهي نظرية لم يسبقها اي مسلسل غربي صهيوني لتدمير اسرائيل الشرقية والغاء هويتها الحالية بل بالعكس فالقرن العشرين والقرن الجديد شهدا دعما غربيا صهيونيا لسيطرة الفرس على قوميات اخرى وتثبيت ادعاءتهم الاستعمارية في غزو الاقطار العربية ومعاداتها .
فالضربة للفرس مجرد لمسة غزل عادية لاقيمة عملية لها ولن تخل بقوة وتوازن اسرائيل الشرقية ولا تقلل من حدة تطرفها العنصري المعادي للعرب بل على العكس سوف تنكر هذه النتيجة حتما وتعتبرها تزويرا للتاريخ وتدفع عنصرييها للمزيد من التطرف ولكن ليس ضد من كشف الحقيقة الجينية اي الغرب بل ضد العرب لان التقرير يؤكد بان 56% من السكان فيها عرب فكأن من وضع التسميات الجينية يريد وضع قطط في كيس واحد وغلقه عليها كي تتعارك حتى الموت .
يواصل التقرير فيقول : أما الآخرون فهم من أصول ومنابت مختلفة وغير عربية.وفي لبنان، فإن 444% من السكان فقط من أصول عربية، فيما 14% من الناس أصولهم يهودية، و10% من آسيا، و5% من أصول أوروبية.وفي تونس، فإن الوضع أغرب بكثير مما هو عليه في مصر ولبنان، حيث العرب في البلاد لا يشكلون سوى 4% فقط من السكان، بينما الغالبية الساحقة أي 88% أفارقة. فيما شكلت بريطانيا مفاجأة أخرى للباحثين، فبينما يعتقد الناس أن معظم سكانها من المهاجرين ذوي الأصول المختلفة، فقد تبين أن 69% من سكان بريطانيا هم من الأعراق الأصلية التي استوطنت في بريطانيا العظمى وأيرلندا. (شبكة قناة العربية 16-1-2017)
هنا وكما في الفقرات السابقة نلاحظ الحيل ففي حين يخرج التقرير اكثر من ثلثي العرب من نطاق الهوية العربية وهي مصر والمغرب العربي والسودان باطلاق تسمية (شمال افريقيين) عليهم وليس عرب فانه يعترف بعروبة لبنان والكويت مثلا ! فما مغزى هذا الاعتراف ؟ انه مكمل لما ورد في الفقرات الخاصة بمصر واسرائيل الشرقية فالحيلة نراها في الاعتراف بعروبة الاقطار العربية الصغيرة عدديا ولكنه ينكر عروبة الاقطار العربية الكثيرة عدديا ، وهذا امر واضح جدا من التقرير ويفضي الى النتيجة المطلوبة وهي اسقاط مشروعية نضالهم من اجل وحدتهم القومية وتقزيمهم وتسهيل خضوعهم .
للوهلة الاولى تبدو هذه المعلومات يقينية لانها صدرت عن جهة علمية وبناء على بحوث علمية ولكن عند التدقيق فيها نجد ان هناك حيلا كثيرة استخدمت لمواصلة تزوير تاريخ العالم عموما وتاريخ العرب خصوصا ، فكيف تم ذلك ؟ هل مصطلح (شمال افريقيين ) المستخدم لوصف اصول مصر والمغرب العربي علمي وعملي ومناسب ام انه وسيلة تزوير الهوية الوطنية والقومية ؟ كيف استخدمت التسميات لاجل امرار حيل تزوير التاريخ الانساني عموما والتاريخ العربي خصوصا ؟وهل بدأت الحضارات حقا قبل حوالي ثمانية الاف عام في العراق ومصر ام وجدت قبلها حضارات (سادت ثم بادت) ولا نعرف عنها شيئا الان سوى الاساطير ؟ ومن ولماذا يصر على ابقاء الاساطير كما هي مع وجود مؤشرات تؤكد بان معلومات كثيرة توفرت تثبت قيام حضارات مزدهرة قبل اكثر من عشرة الاف عام تحول الاطار الاسطوري الى حقيقة تاريخية ؟ وهل لمكان وشعب تلك الحضارات صلة بتعمد الاخفاء والتزوير ؟
ولكي نجيب على هذه التساؤلات وغيرها لننظر فيما تم الاعتراف به من قبل نفس علماء الغرب في تقاريرهم الجينية السابقة :
1-في مقال لي حول نفس الموضوع نشر في عام 20144 بحلقتين الاولى عنوانها (المستشرقون وعروبة العراق) 1 نشرت يوم 25-7-2014 والثانية بنفس العنوان نشرت يوم 27-7-2014 وكلاهما نشرتا في شبكة البصرة وغيرها من الشبكات ووسائل الاعلام ، استشهدت بما ذكرته الدكتورة باتريسيا بالاريسك من جامعة ليستر البريطانية والتي شاركت في بحث جيني مهم وقالت ( ان سيطرة القادمين من الهلال الخصيب قد يعود لكونهم من المزارعين الذين كانوا اكثر جذبا للنساء.وقالت بالاريسك ان دراسة الحمض النووي لهؤلاء الرجال اظهر لنا ان اصولهم الوراثية تعود الى المزارعين المهاجرين عن طريق التركيز على كروموسوم واي(Y) الاكثر شيوعا في القارة الاوروبية الذي يحمله حوالي 110 مليون من الرجال في اوروبا.واضافت ان 80 بالمائة من كرموسوم واي الموجود لدى الرجال في اوروبا يعود الى المزارعين الذين هاجروا الى القارة.) ويؤكد تقرير البي بي سي على ان الهجرة من الهلال الخصيب – الى اوربا- بدأت قبل ما بين 10و40 الف عام .المصدر : الخميس, 21 يناير/ كانون الثاني, 2010, BBC العربي .
2-يقول الاكاديمي والباحث الجزائري المعروف د.عثمان سعدي في مقال له عنوانه (سكّان شمال إفريقيا الأصول الحضاريّة 2 ) ما يلي :حدثت هجرات عربية عديدة لشمال إفريقيا لم يسجلها التاريخ، ويقر هذا حتى بعض المؤرخين الأوروبيين كويليام لانغر، وغابرييل كامبس الذي يعيدها إلى ما قبل الألف الثامنة قبل الميلاد ، وبوسكويه . G.H Bousquetالذي يقول : “وعلى كل حال يوجد ما يجعلنا نقتنع بأن عناصر مهمة من الحضارة البربرية ، وبخاصة اللغة أتت من آسيا الصغرى عن طريق منخفض مصر، في شكل قبائل تنقلت في هجرات متتابعة، على مدى قرون عدة، في زمن قديم لم يبتّ في تحديده” [ 7 ]
يتابع الباحث عثمان سعدي فيقول : لقد حدثت هجرات قحطانية من جنوب الجزيرة العربية، قبل آلاف السنين، والذي سجله التاريخ هجرة الكنعانيين الفينيقيين في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد، حضروا فأقاموا مدنا ساحلية تجارية، وأخرجوا عن طريقها بني عمومتهم الأمازيغ من العصر الحجري وأدخلوهم التاريخ، وأسسوا إمبراطورية قرطاج الذي يعتبر تأسيسها تزاوجا بين الكنعانيين والأمازيغ. فهي إمبراطورية كنعانية أمازيغية. فملحمة حنّا بعل العابرة لجبال الألب ساهم فيها الأمازيغ ، فقد كان سلاح الفرسان بجيشه أمازيغي، يقوده الفارس الأمازيغي مهر بعل. وحضارة قرطاج هي مكتشفة الحروف الهجائية وناشرتها بالقرن الثامن قبل الميلاد في أوروبا، فالحروف باللغات الأوروبية تسمى حتى الآن [ألف باء] . قال ويل ديورانت عن الكنعانيين الفينيقيين العروبيين ورسالتهم الحضارية بالعالم: “أقاموا لهم حاميات في نقط منيعة علي ساحل البحر المتوسط، أقاموها في قادز، وقرطاجنة، ومرسيليا، ومالطة، وصقلية، وسردانيا، وقورسقة، بل وفي انكلترا البعيدة. واحتلوا قبرص، وميلوس، ورودس، ونقلوا الفنون والعلوم، من مصر، وكريت، والشرق الأدني، ونشروها في اليونان، وافريقيا، وايطاليا، واسبانيا؛ وربطوا الشرق بالغرب بشبكة من الروابط التجارية والثقافية، وشرعوا ينتشلون أوروبا من براثن الهمجية”. [ 8 ]
ويشير عثمان سعدي الى ما توصل اليه باحث اخر في نفس الموضوع فيقول : العالم اللغوي الجزائري عبد الرحمن بن عطية في كتابه الأخير بالفرنسية، المعنون بـ “العرب والهندو أوروبيون : هل تكلم الهندو أوروبيون العربية في الأصل”، والصادر في الجزائر سنة 2008 ، يثبت فيه من خلال المؤرخين الأوروبيين والنقوش المكتشفة بأوروبا، بأن اوروبا قبل غزو القبائل الهندو أوروبية في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، كانت تتكلم اللغات العروبية، (أي السامية وفقا للمصطلح الغير العلمي). فقد انتشرت اللهجات العروبية ابتداء من الأكادية، فالبابلية ، فالكنعانية وغيرها. ويذكر: “أن لاروس الكبير الموسوعي يضع النقوش الفينيقية ابتداء من الألف الثالثة ق.م ويحدد أن نقوش النصوص الهوريغليفية البابلية تحمل تواريخ بين 2100 و 1600 ق. م ، المحفوظة على حجارة أو برونز بحروف توحي بالهوريغليفية المصرية وأخرى بالأبجدية الفينيقية”. ويذكر بن عطية أن وادي الهندوس يضم شعوبا تحمل اسم [عربيتا] ، كما تحمل شعوبا بالبنجاب بباكستان اسم [عربي] مثلما أورد المؤرخ L.de la Vallée-Poussin الذي يؤكد أن هذه الشعوب ليست هندو أوروبية. ويقول بن عطية بأن اللغة العروبية الأمازيغية كانت منتشرة بالقوقاز وإيبيريا ويسميها اللغة البربرية الإبيرية.. [ 11 ]
ولقد وجد نقش كنعاني فينيقي في البرازيل في [ بارايبا ] سنة 18744 م ، ويذكر المؤرخون بأنه كتب في القرن السادس قبل الميلاد. وقد تمكن العالم السوري المتخصص في الخطوط العروبية أي العربية القديمة الأستاذ الدكتور بهجت قبيسي من قراءة للنقش وتحويله إلى حرف الجزم العدناني. [ 12 ])! شبكة البصرة 30 تشرين الاول 2012 و2- صحيفة رأي اليوم 5-11-2014 . هل هذه مفاجئة لكم ايها العرب ان تكتشفوا ان اجدادكم سادوا بلغتهم وحضارتهم في اوربا والقارة الامريكية بشمالها وجنوبها وقبل ما بين 10 و40 الف عام ؟هل اقتصر وجود العرب في اوربا وسيادتهم هناك على البشر ام انهم نقلوا اليها حتى حيواناتهم وزرعهم ؟ .
يتبع
Almukhtar44@gmail.com
10-5-2017
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء