أحدث المواضيع

الفكر القومي ومحاولات التنغيل 4


صلاح المختار

7- من هو المستفيد النهائي من مواقف المؤتمر القومي ؟ الواقع العربي العام يؤكد ظاهرة ملفتة للنظر وهي ان اجهزة المخابرات الغربية والصهيونية تتفق مع اسرائيل الشرقية واطراف اخرى على دعم عملية تنغيل الفكر القومي العربي وعزل التيار القومي الحقيقي والاصيل ، لان التنغيل والتعهير يفقدان الرابطة الوطنية والهوية القومية العربية قوتها ويفككان مصادرها وهو الشرط المسبق لتحقيق الاهداف المشتركة للصهيونية وللمطامع الامبريالية الغربية والايرانية اذ عبر التفكك الطائفي والعنصري والعشائري يمكن شرذمة الشعب، وهذا الهدف يفسر لم دعمت المخابرات الغربية خصوصا الامريكية والبريطانية والفرنسية تنصيب خميني حاكما على اسرائيل الشرقية واسقطت الشاه ، فأذا نجحت الخمينية في تحويل الولاء من ولاء للامة والوطنية ، وهو ولاء يوحد الناس برابطة الهوية العامة ، فان البديل الوحيد تشرذمي وهو الطائفية والعرقية وكل علاقات ما قبل الوطنية وهي كلها تخريبية. 
وما يترتب على ذلك سؤال مهم : هل تبقى للامة العربية بعد انتشار الطائفية والعرقية وغيرهما قوة موحدة قادرة على تحرير الارض العربية المحتلة من الصهيونية وغيرها ؟ الجواب هو كلا فالتشرذم هو مقدمة الهزيمة امام اي عدو . كما اننا نجد انفسنا امام ظاهرة مركبة وخطيرة جدا تهدد القومية العربية : فمن جهة هناك هجوم التيارات الاسلاموية شيعية وسنية على التيار القومي الحقيقي وهناك من جهة ثانية حروب الدول الكبرى الغربية والصهيونية عليه ، ومن جهة ثالثة هناك الاعلام العالمي والعربي الذي يتميز بعزل التيار القومي الحقيقي ودعم التيارات المعادية للقومية العربية ومنها التيار القومي المنغل لانه اصلا منحرف ومعاد للقومية العربية. وهكذا لاتبقى العناصر المنغلة والمعهرة والعاملة باسم القومية العربية وحدها من تشن الحرب على التيار القومي الحقيقي بل نجد معها كل شياطين الارض .
وحينما تتناقض تفسيرات الموقف وتترك قواعد التفكير القومية والوطنية والتي ترى في الطائفية والعرقية والمناطقية وكل صلات ما قبل الامة والوطنية صلات رجعية تفتت وحدة الشعب وتسهل عمليات اختراق الاف الناس فاننا نواجه اخطر عوامل خسارة الدعم الجماهيري وهو تفكك وحدة الناس وتعدد تفسيراتهم متأثرين بواقع كارثي يعيد الانسان الى مربع الغريزة وقلاعها المباشرة مثل الاسرة الممتدة والمناطقية والعشائرية والطائفية والعرقية وغيرها . وهذا بالضبط ما يؤدي الى الحط من شأن القومية والوطنية وهو الهدف المخابراتي الرئيس من وراء دعم التنغيل والتعهير للفكر القومي فمثلا اخذ كثير من الناس يسخرون من القومية والعروبة وهم يشيرون الى مواقف المؤتمر القومي ونظام اسد التي تتناقض بصورة صارخة مع ابسط قواعد التفكير والانتماء القوميين ويصفون المنغلين والمعهرين ب(القومجية) سخرية من العروبة .
8- حجة حزب الله في التدخل في سوريا والعراق واليمن والكويت والبحرين وغيرها هي القول بان هناك تهديدا لطائفة معينة وان اسرائيل الشرقية وحزب الله يتدخلان لحماية طائفة او مراقد تابعة لها ، لكن هذا التبرير سقط مع تجاوز حزب الله لاماكن المراقد وقتاله في مناطق من سوريا والعراق وغيرهما ليس فيها اي مراقد ، ولهذا تحول نصرالله من حجة حماية المراقد الى حجة الدفاع عن المقاومة ، كيف يمكن تصور ان المقاومة تفرض الانخراط في القتال في العراق وسوريا واليمن وغيرها ؟
وهنا لابد من التذكير بحقيقة مدمرة لمنطق حزب الله وطهران فاخر معارك حزب الله مع اسرائيل الغربية كان في عام 2006 وتوقف عن المقاومة منذ 11 عاما ولم يطلق رصاصة واحدة ضد اسرائيل الغربية واتجه لاستثمار رصيده الايجابي في الازمات والحروب الاقليمية والدولية دفاعا عن التوسع الاستعماري لاسرائيل الشرقية وبلا مواربة ، فحول سلاحه لقتل اللبنانيين وبعدها انتقل هذا السلاح للقتال في سوريا والعراق واليمن وللنشاط التخريبي في دول الخليج العربي وغيرها دفاعا عن مصالح ايرانية صارت صريحة ووقحة ! فاين المقاومة اذا وحزب الله لم يطلق رصاصة واحدة على الصهاينة حتى في الاراضي اللبنانية التي مازالت محتلة مثل قرية الغجر ومزارع شبعا ؟ لم ترك الاراضي اللبنانية محتلة واخذ يقاتل بسلاح المقاومة العرب لصالح الغزو الايراني رسميا ؟ ولم ترك الجولان ولم يسخر سلاحه الضخم لتحريرها او على الاقل لاستنزاف اسرائيل الغربية ؟
حجج القتال ضد الصهاينة سقطت كما سقطت حجة الدفاع عن المراقد الشيعية وهذا بحد ذاته تطور يقنع اي موضوعي حقيقي بان حزب الله رسميا وعمليا فيلق ايراني يقاتل لتحقيق الاهداف التوسعية الاستعمارية الايرانية في الاقطار العربية ، ومع ذلك لم يتغير موقف المؤتمر القومي منه بل زاد دعما لحزب الله واسرائيل الشرقية كما ظهر جليا في بيانه الختامي عن دورته الاخيره ! فما معنى ذلك ؟ تواصل دعم المؤتمر القومي لاسرائيل الشرقية رغم كل عداءها للعرب هو عبارة عن تقديم انموذج لفكر قومي معهر ومنغل بوضوح كامل لانه قومي بالاسم والشعارات لكنه خائن لقوميته بالفعل مشيطن لها في الواقع ، وهو ما يفضي الى التشكيك القوي باهمية الرابطة القومية ويدفع لتبني خيارات هوية اخرى مثل الطائفية: اليس هذا هو جوهر المخططات الصهيوامريكية –ايرانية ؟ 
9-اكمال عزل فلسطين : الاصرار على اعتبار قضية فلسطين هي البوصلة الوحيدة لنضال العرب وعدم قبول اي بوصلة اخرى واتهام من يقول بوجود بوصلات نضالية متعددة بانه يفرط بالقضية الفلسطينية ليس سوى تكتيك تستخدمه الدعاية الايرانية ونغولها العرب خصوصا المؤتمر القومي لاكمال طوق العزل حول القضية الفلسطينية ! 
الخلل الجوهري في اطروحة ان البوصلة الوحيدة الصحيحة هي فلسطين هو انها مقطوعة عن سياقها الزمني فقد تغيرت كافة معطيات الوضع العربي والاقليمي والعالمي . ففي الوقت الذي تبنى التيار القومي خصوصا البعث اطروحة ان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب وان جهودهم كلها يجب ان تسخر لخدمتها لم يكن هناك احتلالا للعراق ولا لسوريا ولا حرب ضروس في اليمن وليبيا ولا تهديد وجودي لعروبة الخليج العربي ، وماحاصل في فترة ما بعد وصول خميني للحكم خصوصا بعد عام 2011 احدث انقلابا جذريا في الوطن العربي والمنطقة كلها وادى الى تكون اكثر من فلسطين واشد خطرا في وضعها الحالي من فلسطين مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا وكل منها فقد رجالا ومالا اكثر مما فقدنا في فلسطين في كل حروبنا مع اسرائيل الغربية ويكفي التذكير بان عدد اللاجئين العراقيين والسوريين وصل الى اكثر من 16 مليون لاجئ ومهجر ناهيك عن النازحين ويعدون بالملايين بينما لم يتجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين الخمسة ملايين . اما الشهداء فحتى الان لم يتجاوز عدد كل شهداء فلسطين النصف مليون بينما تجاوز شهداء العراق وسوريا الثمانية ملايين عربي ، اضافة لبدء عملية تقسيم العراق وسوريا .
والصهينة في فلسطين لو قورنت بالتفريس قي العراق وسوريا لاصبنا بالفزع لان ما حصل من صهينة في فلسطين لا يشكل الا جزء بسيطا من كوارث التفريس في العراق وسوريا . والتهديد يتعاظم فكلما مر شهر ازدادت خسائر العرب البشرية والمادية وتعاظمت احتمالات تقسيم الاقطار العربية وعادت امريكا من الشباك بعد ان طردتها المقاومة العراقية من الباب ، وانهارت منظومات القيم لدى عدد كبير من العرب وهي الضامن الاساس للوجود والهوية والمستقبل ، فهل يوجد انسان لديه حد ادنى من الوعي ينكر ان قضايا العراق وسوريا وليبيا واليمن مثلا لم تعد قضايا فرعية كي يطلب من العرب عدم الاهتمام بالدفاع عن العروبة فيها وابقاء بوصلة الصواب القضية الفلسطينية فقط ؟ 
هذه الاطروحة تخدم جوهريا اسرائيل الغربية ثم اسرائيل الشرقية لانها تتيح اقناع العرب في العراق وسوريا واليمن وليبيا ورغما عنهم بالاعتراض على اطروحة ان البوصلة الفلسطينية هي البوصلة الوحيدة للنضال العربي ، فالعراقي سيقول لك : وهل ارض العراق وارواح العراقيين اقل اهمية من ارواح الفلسطينيين وارضهم كي تطلب مني عدم الرد على الاحتلال الايراني بحجة ابقاء البوصلة الفلسطينية وحيدة ؟ وهذا التساؤل سيطرحة السوري ايضا وكل عربي يتعرض لتحديات وجودية لم تكن موجودة قبل الثمانينيات من القرن الماضي ! وهكذا تتأسس حالة تعارض مصطنع بين الدفاع عن فلسطين والدفاع عن الفلسطينات الجديدة في العراق وسوريا وليبيا واليمن ، ويجبر العربي غير الفلسطيني للجهر بانه يجب عليه اولا حماية قطره من الغزو او تحريره منه ومنع تقسيمه وانهاء نزيف الدم والمال قبل عودته للدفاع عن فلسطين ،وهذه بديهيات الامور واسس اي منطق . 
المستفيد من هذه الاطروحة التي يروجها نغول المؤتمر القومي هي اسرائيل الغربية التي ستجد الجماهير العربية المقاتلة دفاعا عن عروبتها هذه المرة وليس الانظمة فقط من يعترض على اعتبار فلسطين هي القضية المركزية الوحيدة فتكمل حلقة العزلة على القضية الفلسطينية! اما المستفيد الثاني فهو اسرائيل الشرقية لان اعتبار القضية الفلسطينية هي البوصلة الوحيدة لنضال العرب يترجم حرفيا بعدم مقاتلة اسرائيل الشرقية مهما فعلت في الاقطار العربية وحتى لو احتلت اقطارا اكبر من فلسطين وهو ما يقوله المؤتمر القومي حرفيا ويكرره بلا توقف كلما اصدر بيانا او تصريحا ، وهو طرح يقدم التبرير الواضح لاهمال خطورة الغزو الاستعماري الايراني في الوطن العربي .
اما المستفيد الثالث فهو الصهيونية الامريكية التي ستجد في طرح المؤتمر القومي هذا خير وسيلة لمواصلة غزواتها للاقطار العربية سواء مباشرة او بطرق اخرى .حينما تصور صراعا تراجعت حدته وطبيعته في هذه المرحلة لاي سبب كان على انه مازال الصراع الرئيس مع انه صار ثانويا في دوره الميداني وليس في قيمته الحقوقية وبنفس الوقت تنظر للصراع الرئيس في ساحات تجري فيها عمليات اخطر مما جرى في فلسطين بكثير مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا على انه صراع ثانوي فانك تقدم الهدية السترايجية الاكبر للعدو المشترك وهو امريكا والاسرائيليتين الشرقية والغربية . اما عندما تقول بان في الوطن العربي اكثر من فلسطين وان على العرب مواصلة النضال في كافة الجبهات ضد كافة المحتلين وبنفس الدرجة من الاهمية فانك توفق بين القضية الفلسطينية وقضايا العرب المستجدة والخطيرة ايضا وتضع جدولا نضاليا منظما ودقيقا يبقي فلسطين قضية مركزية لكل العرب لكنه يضيف اقطارا مهددة لقائمة القضايا المركزية ، وهذا هو الموقف القومي النضالي الصحيح .
الخلاصة : التنغيل والتعهير اذا هو التكتيك الرئيس لمخابرات الغرب والاسرائيليتين الغربية والشرقية فما لم تنغل وتعهر فكرة القومية العربية بواسطة امثال نغول المؤتمر القومي وحافظ اسد فان القومية العربية تبقى قادرة على توحيد العرب وضمان تضامنهم حتى في ظل التجزئة السياسية وهذه اللحمة هي التحدي الرئيس لثلاثي الشر : امريكا والاسرائيليتين الشرقية والغربية .
من هنا فان ما يترتب على التنغيل والتعهير في حالة نجاحهما جزئيا او كليا هو عزل وشيطنة القوى القومية الحقيقية وذلك هو احد اهم شروط اسناد عملية اجتثاثها من قبل قوى الصهيونية والغرب الاستعماري واسرائيل الشرقية ، وحينما تجتث القوى الفاعلة بعد تنغيل الفكر القومي وشيطنته فان الابواب تصبح مشرعة لكافة الغزاة نظرا لفقدان الهوية الجامعة للعرب .من هنا فان الرد الصحيح هو تنقية الفكر القومي والمحافظة على اصالته وفضح من يعمد الى تنغيله . هل رأيتم الان الوجوه القبيحة للنغول المنغلين ؟
 انتهت 
Almukhtar44@gmail.com 
6-7-2017
شكرا لك ولمرورك