أحدث المواضيع

الفكر القومي ومحاولات التنغيل 3


صلاح المختار
5-استبدال الاصل القوي بالفرع الضعيف : عندما تسود الهويات الفرعية فان الرابطة القومية بين العرب تضعف تلقائيا ويصبح الدفاع عن الهوية الفرعية هو الواجب وليس الدفاع عن الامة بكافة اقطارها ، وما ان تظهر النزعة التجزيئية المرتدة الى ماقبل الوطنية حتى نرى تحطيما واضحا لحالة التضامن العربي والدفاع المتبادل عن الامن القومي العربي والوقوف الى جانب اي قطر عربي يتعرض للعدوان او الخطر ! وهنا تلعب قوى ثلاثي الشر (الصهيونية الامريكية والاسرائيليتين الغربية والشرقية ) دورها الميداني وهو دعم كل توجه ينتمي لمرحلة ما قبل القومية والامة حتى لو كان ايديولوجيا معاديا لهذا الثلاثي ، وهو ما رأيناه في العراق وسوريا بشكل خاص متجسدا بتغذية ودعم الفتن الطائفية والتغول العشائري والنزعات المناطقية ...الخ .

وهذا يفسر ظاهرتين اربكتا البعض وهما دعم المخابرات الامريكية خصوصا والمخابرات الغربية عموما لكتل شيوعية ، وهي نظريا معادية للغرب ، ضد التيار القومي الرئيس ، واكمال العملية بدعم المخابرات الغربية لتيارات اسلاموية تبدو ظاهريا مناهضة للغرب في صراعها مع التيار القومي الذي تعتبره ( كافرا ومعاد للاسلام والمسلمين ) ودمجها بتجمع واسع النطاق تحت غطاء المعارضة لنظام قومي او تقدمي مثلما حصل للعراق قبل الغزو .والسؤال هنا هو : كيف يمكن تصور تحالف الشيوعي (الملحد ) والليبرالي الكافر مع الاسلاموي السني والشيعي الذي كفرهما ضد تيار قومي ليس ملحدا ولا كافرا وليس في اجندته عداء للغرب بأستثناء الاستغلال الرأسمالي وموقفه كقوة استعمارية تنهبنا وتجاه القضية الفلسطينية ؟ 
هذه الاطراف المتناقضة الهوية ورغم كل تناقضاتها تتحالف وتتعاون ضد التيار القومي الذي تقوم امريكا وبريطانيا بالعمل على اسقاطه بالغزو الخارجي ! في هذه الحالة تبرز بقوة لا يمكن اخفاءها حقيقة بالغة الاهمية وهي ان هذه الاطراف والقوى والدول ترى في التيار القومي العدو الرئيس لها –لانه توحيدي - وان لها مصلحة مشتركة وهي القضاء عليه كي يستطيع كل منها النجاح في النفاذ من ثغرة اسقاط نظام قومي ووطني وتحقيق اهدافها الخاصة مادام التيار القومي قويا ومنيعا بامكانه الحاق هزيمة شاملة بكافة الاعداء.
6-التنغيل والتعهير:وكي يستطيع ثلاثي الشر احكام قبضته على الوطن العربي يجب اولا ان يفكك ويشرذم ، وبما ان الهدف الرئيس في تدمير حصون الامة العربية هو التيار التوحيدي القومي فيها لذا يجب دعم تشكيلات تنظيمية تبدو حاملة لهوية قومية ظاهريا رغم انها غير ذلك تماما ، والهدف ليس فقط تصعيد العداء للتيار القومي الحقيقي المقاتل بل اضفاء صفات بالغة السلبية عليه وربما يكون مصطلح تعهير الفكر القومي ومصطلح تنغيله هما الاقرب للواقع فالتعهير يعني اسقاط القدسية والحصانة المعنوية عن شيء ما ، اما التنغيل فهي عملية افقاده اصالته ومشروعيته ، وهنا ولكي نقدم صورة ميدانية وعملية لا تقبل التشويش علينا تناول ظاهرة بالغة الوضوح في التعهير والتنغيل المتعمدين والمدروسين مخابراتيا وهي ظاهرة ما يسمى زورا (المؤتمر القومي العربي) فهي تمثل الصورة الادق لمفهوم تعهير وتنغيل الفكر القومي ، طبعا بعد مثال حافظ اسد .
اول ما يلاحظ ان هذا المؤتمر جمع كافة التيارات المتنافرة من اقصى اليمين لاقصى اليسار وبينهما عناصر مغرقة في الانتهازية والتطفل وهي بلا هوية اصلا واخرين لا صلة لهم على الاطلاق بالتيار القومي بل هم من اشد اعداءه ، لاداء دوره المرسوم وهو شيطنة القومية العربية بتقديم انموذج معهر ومنغل لها ، ولمنع اي سوء تفسير لابد من التأكيد على حقيقة ان اغلبية الاعضاء عناصر قومية مخلصة انتمت اليه قبل ظهور انحرافه وكانت تعتقد بان هذا المؤتمر يمكن ان يكون داعما للتيار القومي الذي يقاتل الامبريالية الامريكية مباشرة في العراق او غيره ، فهي لذلك اخذت تعترض على ما انكشف من نهج شعوبي جامح ورسمي ، والمقصود تحديدا هم المرتزقة الذين تدعمهم المخابرات الايرانية ومخابرات اخرى وهم من يسيطر على توجهاته .هذا المؤتمر يضم:
أ- الشيوعي السابق والحالي او الماركسي اللينيني فيه وهو معاد للقومية العربية بحكم طبيعة الايديولوجية التي يؤمن بها وهو ما اثبتته عقود خمسة ماضية .
ب-الناصري بمختلف توجهاته في مرحلة ما بعد ناصر وهي توجهات متناقضة بمستوى يؤكد ان الناصرية ليست تيارا واحدا بل غطاء لاكثر من توجه . ومنهم من دعم احتلال العراق ونشط من اجله .
ج-ورجال الدين بكافة تياراتهم الشيعية والسنية المتعاونة مع الاحتلال والمناهضة له .
د- العلمانيين المرتبطين بخطة تسييد الغرب والصهيونية تحت غطاء التحديث .
ه- المرضى بعقد التزعم والذين فشلوا في احزابهم الاصلية فوجدوا في تنظيمات فوقية نخبوية ضالتهم للبروز حتى ولو على حساب مصالح الامة ! وهؤلاء تتميز مواقفهم بنزعة ثأرية تجاهر بالعداء لتنظيماتهم السابقة وتؤكد على انها انتهت او يجب ان تنتهي لان انتهاءها من وجهة نظر سايكولوجيا المطرود من حزبه هي اثبات لما يريد اثباته عبثا وهو انه ما خرج او طرد من الحزب الا نتيجة صحة موقفه ، لهذا اصبح همه هو اضعاف حزبه السابق بأي طريقة والتشكيك بما يحققه من انجازات . 
و-عناصر مما كان يسمى المعارضة العراقية وهي مرتبطة بالمخابرات البريطانية والامريكية والاسرائيلية فهل يمكن لجاسوس ان يكون قوميا ويعمل في صفوف تجمع قومي حقيقي دون ان يلوثه ؟ 
هذا التجمع المتناقض من حيث واقعه الفعلي ومن وجهة نظر صهيو-امريكية- فارسية يجب دعمه من اجل انهاء التيار القومي الاصيل والاصلي والذي تميز القرن العشرين وبداية القرن الجديد بشن حروب الصهيونية الامريكية ضده ، وايجاد قاسم مشترك بين مكونات هذا اللملوم المخترق نفسيا وتعزيزه بكافة الطرق والحرص على اخفاء الاهداف الحقيقية لمن يقود المؤتمر ويسيطر عليه واختيار شعارات او مواقف قريبة من قلوب الناس وتدعم بعمليات سياسية مخابراتية تحطم بديهيات الواقع وتنشئ ظواهر تجذب الناس رغم ان من يقوم بها محاط بشكوك ويتبنى مواقف مرفوضة من منطلق قومي او وطني مثل حزب الله .
ولهذا نجد ان المجموعة الاساسية المسيطرة على هذا المؤتمر ومنذ انحرافه عن الخط القومي الاصيل تستمد هيمنتها عليه مباشرة من حزب الله وما قام به حتى عام 2006 وهي سيرة تبدو ايجابية لانه قاتل اسرائيل الغربية في جنوب لبنان فتوفر غطاء وطني وقومي لظاهرة مخابراتية ايرانية خطط لها كي تصبح قوة جذب واستقطاب للمثقفين العرب ولجماهير عربية مؤمنة بتحرير فلسطين وفقا لبديهية ان من يقاتل اسرائيل الغربية خصوصا في زمن هزائم العرب يجب ان يدعم وبغض النظر عن هويته الايديولوجية وارتباطاته الاقليمية ، وهذه البديهية استغلت لدعم ادوات غزو اسرائيل الشرقية لاقطار عربية .
وعدم تجانس المؤتمر القومي هو مصدر تناقضات سلوكه مع تسميته فبما انه مؤتمر قومي عربي فانه منطقيا كان يجب ان يدافع عن الحقوق العربية والمصالح العربية ويحافظ على الهوية العربية في كل الاقطار العربية وضد كل اشكال الشيطنة والتأمر عليها والاحتلال لاراضيها ، لكن تناقضاته التكوينية والتي عبرت عن دوافع مختلفة ادت الى انحرافه وتبنيه لمواقف خرجت كليا عن اي مفهوم قومي عربي وغير عربي فهو مع اسرائيل الشرقية في كل مواقفها وضد العرب في كل مواقفهم حينما تتناقض مع مواقف اسرائيل الشرقية ، وهذا اتجاه يظهر لاول مرة في الوطن العربي بهذا الحجم من الانحراف والتناقضات الصارخة والوقاحة اذ لم نرى جماعة او حزبا يشهر دعمه لاي طرف اقليمي او دولي معاد للعرب ويقوم باحتلال اراضيهم وتهجير الملايين منهم الا المؤتمر القومي وميليشيات اسرائيل الشرقية والنغل الاقدم حافط اسد .
ولكن كيف يمكن قيام مؤتمر تسيطر عليه نخبة من المنحرفين نفسيا ووطنيا ومتناقضة في كل شيء ما عدا الحصول على منافع ؟ كيف يمكن لمن طردهم حزبهم ان يكونوا منصفين وموضوعيين في تقييمهم لما يجري ؟ مواقف هذا الصنف مبنية على ومنطلقة من نزعة انتقامية جامحة . اما الشيوعي فيه ولا ندري كيف يضم مؤتمرا قوميا شيوعيا يعتبر القومية رابطة بورجوازية تتناقض مع فكرة وحدة الطبقة العاملة ؟ اما الاسلامويين سنة وشيعة فهم عقدة العقد والتي لاتحل ولاتفسر في تركيبة المؤتمر المسمى قوميا ، لاننا نواجه تناقضا حادا لا يمكن تقديم اي تفسير مقنع له حتى بدرجة دنيا من المنطق فكيف يصبح الاسلاموي المعادي لكل فكر قومي ويعده (ماسونيا او الحاديا) ومناقضا للاممية الاسلامية عضوا ناشطا في مؤتمر قومي الا اذا كانت لديه دوافع اخرى مخفية ؟
ز-من يمول المؤتمر ؟ مؤتمر يعقد اجتماعات سنوية دورية ويحضره مائة شخص تقريبا من مناطق متباعدة جدا يحتاج لتمويل وبدونه لايمكن عقده ابدا فحتى لو افترضنا ان البعض يدفع تكاليف سفره فان الاغلبية لا تدفع ثمن البطاقة والاهم انها لا تدفع تكاليف الفنادق والتكلفة اللوجستية وهي ليست قليلة ، فمن يمول المؤتمر اذا ؟ يجب ان اشير الى ان العراق في ظل النظام الوطني كان يدعم المؤتمر ماليا حينما كان ظاهرة قومية تدافع عن القضايا العربية وكذلك انظمة خليجية وغير خليجية ولكن هذا الدعم توقف من هذه الاطراف بعد ان تحول المؤتمر الى اداة ايرانية صرفة يتبنى ما تريده اسرائيل الشرقية فقط ، الممول الرئيس للمؤتمر القومي الان هو حزب الله ولهذا نجده يتحكم بتوجهاته مباشرة ، فلا يتخذ توصية او قرار ولا يصدر بيان الا بعد ان يوافق عليه حزب الله ، وتهمل كافة مقترحات واعتراضات المخلصين والقوميين الحقيقيين ، وهم الاغلبية ! اي ان المؤتمر يخلو من الديميقراطية فعليا .
وطبعا حزب الله (بماله وسلاحه وغذاءه وشرابه من جمهورية ايران الاسلامية ) كما اعترف حسن نصرالله في خطاب مسجل وعلني وكرر هذا الاعتراف . ومن خلال تمويل اسرائيل الشرقية للمؤتمر فانه اصبح رهينة المال الايراني بالكامل خصوصا وان من يقوده من العرب في لبنان وخارجه يعتمدون على الدعم المالي الايراني الشهري لهم ولمنظماتهم الكارتونية ولمكاتبهم وبيوتهم وسياراتهم وترفهم رغم ان اغلبهم ليس لهم عمل معروف يكسبون من خلاله مالهم ولو طبقت عليهم قاعدة (من اين لك هذا) لزج بهم في السجون ! 
الارتزاق والاعتماد على المال الايراني صار من اهم ما يميز المؤتمر القومي ووصل الى المغرب العربي ! ولهذا يمكننا تفسير ظاهرة قد تبدو غريبة وهي ان المؤتمر ومنذ غزو العراق اخذ يدعم كافة خطوات وسياسات اسرائيل الشرقية وبلا اي استثناء فلو نظرنا الى مواقفه سنجد انه يدعم المواقف الايرانية تجاه العراق وسوريا ولبنان واليمن وتجاه دول الخليج العربي، فهل هذا طبيعي ؟ كيف يمكن لقومي عربي حقيقي ان يدعم دولة اجنبية تحتل الاحواز والجزر العربية وتعلن عداءها للعرب ولم يعد قادتها يخفون مطامعهم في الاقطار العربية ؟ احدهم وهو ايه الله يونسي ، كما غيره ، يقول ويكرر (بان ايران اصبحت تسيطر على اربعة اقطار عربية وان بغداد اصبحت عاصمة الامبراطورية الايرانية )، وقائد الحرس الثوري الايراني يؤكد ان بلاده (وصلت البحر المتوسط وانها تتجه لتحرير السعودية ودول الخليج العربي) ، فكيف يكن لقمومي عربي حقيقي ان يدعم دولة مثل هذه ويبقى عربيا ولا يوصف بالخائن ؟! 


يتبع .

Almukhtar44@gmail.com
5-7-2017
شكرا لك ولمرورك