أحدث المواضيع

صار الوطن دربونة والأمة زنقة زنقة كأسك يا وطن مرة أخرى


د. عبد الكاظم العبودي
دعوني استعير صرخة المواطن المدعو غوار الطوشي بصوت الفنان السوري دريد لحام من دون ارفع هذه المرة حتى تلك الكأس الثملى بالعرق المحرم، لأقول مرة أخرى بعد اربعين عاما من الآلام" كأسك يا وطن" .
مسرحية محمد الماغوط، صاحب " الفرح ليس مهنتي" هانحن نعيشها بإخراج أمريكي هوليودي بارع، ونحن كما كنا مستغرقين في تفاصيل الفوضى الخلاقة وما بين ضحكها وبكائها قد نشفت أدمعنا رجالا ونساء وشيوخا وأطفال.
حقا لقد أضحكنا دريد لحام وفرقته يومها، ونحن نتفرج على ملهاة لامة العرب واوطانها في إحتضار المصير والوجود؛ رغم أن أخبار الزمن الموحش القادم كالغول كانت تنبؤنا بها سلوكيات الأنظمة والحكام العرب، نعم كان هناك من حذرنا عن قرب وعن بعد وحدثنا مبكراً عن توقع حدوث دمارنا الشامل الذي نعيشه اليوم، بعد ان نزعوا من جلودنا وعقولنا كل الطموحات من أن نقف على أرجلنا يوماً، ونمتلك ما سمى بأسلحة الدمار الشامل . قبلنا التداول دون خجل مفردات هزائمنا الموصوفة بالنكبة لفلسطين والنكسة لحزيران والهزيمة في معارك وطنية وقومية عدة، لقد أضحت تواريخ الغزو والاحتلالات القديمة والجديدة أجندات للاحتفالات والإستذكارات، شأنها شأن "الحواسم" عندما نهب العراق كله وباعه بعض من أبناءه في سوق الخردة في المزاد العلني.
" كلنا في الشرق والغرب هم" أو "كلنا هم في الشرق والغرب" ، وخارطتنا تحت المقص الأمريكي يعاد تفصيلها بقياسات النانومترية، بدءاً من العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان والسودان والصومال وأرتيريا المنسيين، وحتى ما تبقى من فلسطين "غير المحتلة" في غزة والقطاع، أضحت بلداننا سواسية كأسنان المشط الصهيوني المطلوب، حكوماتنا مجرد دكاكين سياسية لا تمارس السياسة بل الدعارة السياسية من دون خجل، والعواهر صرن تسمى حكومات، وتتسمى براياتها القديمة والجديدة، وهن لا يستحيين أن تتسمى بيوتهن بإمارات إسلامية أو عربية ومشايخ ودويلات حكم الذاتي أو محافظات وأقاليم تحكمها مليشيات تتسمى بعنوان كيانات سياسية، تحتشد فيها بقايا مكونات اجتماعية يريد البعض من السياسيين العملاء لصقها اليوم بصمغ أمريكي أو صهيوني أو حتى إيراني ليشكل من مجموعة تلك الرقع المهترئة وطنا كاذبا جديدا اسمه "دولة" ولرئيسها لقب "فخامة " ويكتفي كومبارس اللعبة السياسية برفع راية ممزقة تكون قد ألغت كل ما قبلها من الرايات، بدءا من راية الرسول (ص) والخلفاء مرورا بالامويين والعباسيين الى بقية خرق ما سمي بالاستقلال الوطني المشروط بسايكس بيكو، لتزيد دويلاتنا من رصيد مقاعد الأمم المتحدة بدول باتت اصغر من الفاتيكان في ضواحي روما الايطالية أو إمارة مونتي كارلو بضواحي نيس الفرنسية.
وفي ارض السواد العراقي هناك محافظات تعزل بعضها عن بعض بخنادق وأسيجة الكترونية ولها حكومات باتت تستجلب شركات الحمايات الامنية الخاصة وتشكل مليشياتها المستوردة من الداخل أو الخارج، يستكمل المشهد الدرامي في خلق عشائر جديدة، كانت عربية يوما ما ، فقدت ذاتيا ذلك الحسب والنسب وصارت أفخاذا وأسلافاً للملاهي السياسية وباتت تنتسب هنا وهناك مرة إلى "داعش" وأخرى إلى "ماعش" وما بينهما من " دمج" اسمه " حشد شعبي" و" بيشماركات"، و " صحوات " و "حرس وطني" .
وفي بغداد يتواجد سياسويون يحملون ألقابهم حسب الطلب، بتضخيم الانتماء الجهوي والقبلي يشترون بمسروقات المال العام مقاعد البرلمان والحكومة والمناصب والوظائف الأخرى، بما فيها وظيفة " زبال بغداد"، و " دور حضّانات اللقطاء" ، وبينهم عمائم و" أزلام" دين تتلون عمائمهم وتتوزع ما بين البيضاء والسوداء والحمراء والخضراء، وما بينهما من رمادي للتمييز الطائفي والمذهبي أو الإثني.. ولهم جيش لا وطن له ولا عقيدة، ترك أسلحته بسويعات في الموصل وصلاح الدين وكركوك والأنبار، من دون قتال، ساوم ضباطه على رؤوس جنودهم بدريهمات ودولارات معدودة، وصار ضباطه وأركانهم أدلاء أذلاء و " علّاسين " لمكاتب التنسيق الأمني مع الطيران الأمريكي والإسرائيلي والصفوي لقصف مخازن اعتدته وبيع أسلحته بحجة " مكافحة الإرهاب" ليتحول الهاربون من ثكناتهم إلى متطوعين جدد في صفوف " الحرس الوطني" ولتخضع جموعهم مرة أخرى لقيادة "محافظ" أو لرئيس مليشيا طائفية، وفي اضعف الإيمان إلى تسيير وكيل وزارة دفاع أو داخلية طائفية بامتياز ويصطفون ضمن حكومة محاصصة مُقرفة وصلت الى تطبير الجسد العراقي وتكسير عظمه الى حد الكسر من دون دون جبر في أبشع مجزرة عرفها العراق عبر العصور.
شكرا لك ولمرورك