أحدث المواضيع

التعددية الحزبية كانت معولاً لهدم المجتمع العراقي ..


كلشان البياتي
في الأشهر الأولى من الغزو الأميركي للعراق ، وفي الوقت الذي كان أغلبية العراقيين منبهرين بالديمقراطية الأميركية ، 
ويتحدثون عن نِعم الديمقراطية والخيرات التي سيجنيه العراق من زاخو إلى الفاو ..وكانت نسوة المطبخ يتحدثن عن الحصة التموينية التي تشمل 40 مادة غذائية وخراطيم النفط التي تملئ الخزانات وثروات النفط التي تتوزع على الأفراد وشركات خدمات النظافة الحكومية التي تخصص لكل عائلة (خادم وسائق وطباخّ)- كتبت مقالاً قلت فيه إني أكفر بالديمقراطية والتعددية الحزبية وأؤمن بنظام الحزب الواحد .. وقلت أن العراق بلد لا يصلح فيه نظام التعددية الحزبية مطلقاً .. ونٌشرت المقال في شبكة البصرة الغراء، وانهالت عليّ مئات الرسائل تحوي بين طياتها لعنات وشتائم ما أنزل الله بها من سلطان.. وكانت من ضمن الرسائل- رسالة لباحث عراقي ، أدركت فيما بعد أنه من حزب الدعوة العميل ، كان يحاول أن يقلب أفكاري المسمومة عن الديمقراطية والتعددية الحزبية ويبشرني بالجنة التي سيعيشها أفراد المجتمع العراقي تحت أشجار الديمقراطية الوارفة .. لكن قناعتي بالتعددية لم تتغير وإيماني بالحزب الواحد أو حزبان لم يتزعزع .. فأين الحكمة في إغراق البلد –بالمئات من الأحزاب التي لا تملك رؤى وأفكار وأيدلوجيات تخدم الأمة وهي ماضية نحو الهاوية والانحلال الأخلاقي والفكري ، وشيوع ظاهرة التطرف الديني بين الشباب .. من بين مئات الأحزاب والكتل السياسية التي شكلت بعد الغزو الأميركي للعراق –لم يكن هناك حزباً واحداً يملك هدفاً سامياً يخدم الأمة ، بل أن كل قواعد ومبادئ والنظام الداخلي كان يروجّ لفكرة واحدة وهي الطائفية والتفرقة وهدم المجتمع وترسيخ أفكار ومبادئ لا تتناسب مع البيئة العراقية ولا العقلية العراقية التي نشأت على حب الاستقلال والسيادة والنضال من أجل الأستعمار وثروة الوطن للشعب وهي أفكار كان حزب البعث العربي الأشتراكي قد ساهم في ترسيخ بعضها ، وورث بعضها من حركات التحرر الأخرى التي تأسست أبان فترة الاحتلال البريطاني للعراق ونشوء ثورات تحررية منها ثورة العشرين وثورات أخرى أسهمت في قمع أنظمة مستبدة عميلة ورجعية .. ومرت السنوات ، والعراق كان يغرق في طوفان من أحزاب وكتل سياسية –كان شغلها الشاغل –الاستحواذ على مقدرات الوطن وتقسيم الثروات فيما بينها وأشغال المقاعد في البرلمان والحكومة بالصراعات فيما بينها وصلت حد الاقتتال ونصب فخاخ فيما بينهم.. أحزاب وكتل سياسية ودينية انشغلت بمكاسبها ومكاسب أعضائها ضارباً مصالح الشعب والوطن عرض الحائط ، فضاع آمال الشعب ، وتبخرت أحلام نسوة المطبخ فلا يعدن يحصلن على مفردات البطاقة التموينية الأساسية مثل الزيت والسكر وليس 40 مفردة كما بشر بها الحالمون بالديمقراطية .. وفقد العراقي الأمن والاستقرار الذي يوفرها له الحزب الواحد (حزب البعث) طيلة 35 عاماً –كانت رغم ما يحاك ضد هذا الحزب من مؤامرات ودسائس- سنوات رخاء وآمان – فالبعث كان من القوة والصلابة – عجزت كل الأحزاب المعادية الأخرى من النيل منه الأ بتدخل دولي وبأسلحة ومعدات وطائرات وجيوش 32 دولة.. العراق في ظل التعددية الحزبية- وصل (اليوم) إلى مستوى من التخلف الفكري والعقائدي والتطرف الديني مالا يمكن علاجه بأي سبل .. الطائفية تنخر المجتمع ، المواطن فقد رفاهية الحياة الاجتماعية التي كانت توفرها له الحزب الواحد .. والمواطن فقد ثقافات اجتماعية وأخلاقية ودينية كانت تعتبر من الثقافات الراقية وساد محلها ثقافة القتل والخطف والاغتيالات والتهجير والإقصاء ..والمواطن فقد الأمل بالمستقبل وصار اسيراً لماضي جميل كان يملك فيه فسحات من الحرية والأمل بمستقبل مشرق وناصع..والمواطن في ظل التعددية- يعيش واقعاً مأساوياً في ظل إفلاس الخزينة نتيجة فساد السلطة والأحزاب السياسية الحاكمة –قد يجد مايسد رمقه اليوم ، لكن غير واثق ماستؤول إليه أوضاعه غداً.. والمواطن في ظل التعددية الحزبية- يعيش أزمة ثقة –فهو لا يثق بالرئيس ولا برئيس الوزراء ولا بالوزير ولا بالشرطي ولا بالجندي ولا بالموظف –الكل في نظره أما قاتل أو فاسد .. والمواطن لا يثق برجال الدين ولا بالخطباء –لقد أصبحوا الكل في نظره- يحفرون حفرة ويصنعون مقالب ويخططون لأمر علمه عند الله.. المواطن في ظل التعددية –لا يرى انجازاً في الشارع بل يلمح معاول تهدم .. لا يرى جندياً يحمي بل مليشياوي يقتل ويختطف ..نظرته أصبحت سوداوية قاتمة نحو كل الأمور .. الحزب الواحد كان يؤسس لدولة مدنيةّ علمانيةّ تمتاز كل مقومات الدولة العميقة من مؤسسات ورأس مال ومبادئ مجتمعية راقية وموارد بشرية تعبر مصدراً للبناء والنهضة والتطور وليس معولاً للهدم والتخريب وأحداث فوضى وأضرار في الداخل والخارج.. الحزب الواحد أسس مجتمعاً حضارياً ، عاش فيه أبنائه بأخوة وحبة وسلام فيما هدمت التعددية الحزبية كل مفاصل المجتمع العراقي الموحد وحولته إلى مجتمع ينتاحر أفراده فيما بينهم ويتقاتل ويوجه التهم ويختلق الأزمات .. هذه هي الفروقات بين المجتمع الذي بناه الحزب الواحد وبين المجتمع الذي هدمه معاول التعددية الحزبية.. بعد أثنى عشر عاماً من التعددية الحزبية التي رسخه الاحتلال الأميركي للعراق –أصبح المواطن العراقي –بين خيارين لا ثالث لهما – الحياة في ظل الفوضى التي تحدثها التعددية الحزبية ، والحياة في ظل النظام ، يوفره ويرسخه الحزب الواحد أو حزبان لا ثالث لهم .. وحزب البعث –نموذج راقي لحزب الواحد الذي تمكنّ من بناء المجتمع والنهوض به وتحقيق انجازات علمية وثقافية وسياسية وأمنية كانت ومازالت مثار أعجاب الأعداء قبل الأصدقاء وهو الأمر الذي هيجّ غريزة الأعداء فسارعوا إلى النيل منه بشتى الوسائل –فلم يكفيهم إزاحته عن السلطة بقوة عسكرية وزجّ قادته إلى المعتقلات والسجون وتدبير وسائل لاغتيالهم بل سعوا إلى اجتثاثه وتجريمه وإخضاعه إلى قوانيين جائرة وظالمة مثل المساءلة والعدالة والذي لم يزده ألا إيماناُ وعزماً على المواصلة وإكمال مشروع التحرير الذي يعدُ – مشروعاً أساسيا من مشاريعه إلى جنب مشروع البناء والنهوض والرقي بالمجتمع.. السؤال الذي يدور بالتأكيد في مخيلة أي عراقي – وهو لماذا سمحت أمريكا بغرق العراق بهذا الكمّ الهائل من الأحزاب والكتل السياسية ذات الولاءات الإيرانية ، ولماذا سمحت بغرق العراق بهذه الكم الهائل من وسائل الأعلام الورقية والمرئية والتي تروجّ لمفاهيم طائفية وعنصرية تسبب إرباك الشارع ؟ هل استخدمت الديمقراطية لتحقيق مآربها في إسقاط العراق وعدم قدرته على النهوض مرة أخرى حماية لمصالحها ومصالح حلفائها والكيان الصهيوني تحديداً ، وهل يبقى هاجس نهوض العراق تؤرق أمريكا وإسرائيل وتسرق النوم من عينيهما.. كاتبة وصحفية عراقية
شكرا لك ولمرورك